يختلف العلم منذ قرون حول مسألة مفادها أن الهيدرا لا تهرم بل تجدد حياتها باستمرار. لكن العلماء الألمان الذين راقبوا حياة الهيدرا على مدى سنوات طويلة يؤكدون أن بإمكانها العيش 3000 سنة.
&
تعتبر الهيدرا في الميثولوجيا الإغريقية مثالًا على الحياة الأبدية. والهيدرا مخلوق خرافي لها عدة رؤوس، ينمو رأسان جديدان لها كلما قُطع رأس، مع رأس أساس لا يموت أبدًا. ويبدو أن تسمية المخلوق المائي الصغير، المتعدد الرؤوس، الذي يعيش في المياه العذبة، لا يختلف من ناحية السرمدية مع وحش الهيدرا الأسطوري.
&
لا تهرم

يقول العلماء الألمان من معهد ماكس بلانك للأبحاث الديموغرافية أن قدرة الهيدرا على التجدد والحياة تعني أن عملية تقدم عمر الخلايا (الهرم) لا تسري على كل المخلوقات، وان الكشف عن "ينبوع الحياة" عند الهيدرا قد يعطي درسًا للمخلوقات الأخرى كي تتجنب أو توقف عملية تقدم عمر الخلايا في أجسادها.
راقب العلماء الألمان حيوان الهيدرا الصغير طوال عشر سنوات، وتوصلوا إلى أن احتمال موته منخفض جدًا، إذ يضع العلم عادة عمرًا معينًا يبدأ به جسم المخلوقات، ومن ضمنها الإنسان، بالتداعي وصولًا إلى الموت. إلا أن الهيدرا وجدت طريقًا في التطور يجعلها تعود إلى الشباب كلما بلغت هذا العمر.
ونشر علماء المعهد، الذي يقوده الأميركيان جيمس فوبل و دانييل مارتينيز، نتائج أبحاثهم على الهيدرا في مجلة "بروسيدنغ اوف ذي ناشيونال اكاديمي اوف ساينس". والهيدرا جنس من حيوانات المياه العذبة التي تملك جسمًا بتماثل شعاعي. وتعتبر حيوانات مفترسة تابعة لشعبة اللاسعات (Cnidaria) من صف الهدرَوانيات (Hydrozoa) تعيش في غالبية الأنهار والبحيرات ومستنقعات المياه العذبة غير الملوثة في المناطق المعتدلة والاستوائية، يتراوح طولها بضعة ميليمترات.
&
حياة سرمدية تقريبًا

ان نتائج الأبحاث على حياة الهيدرا في مختبرات معهد ماكس بلانك في روستوك، بحسب الباحث رالف شايبله، تعتبر تحديًا لنظرية تطور عمر المخلوقات؛ إذ يضع العلم لكل مخلوق حدًا معينًا من العمر يبدأ بعدها بالتراجع، ويتلخص هذا الحد بمؤشرين: الأول، تراجع القدرة على التكاثر والانجاب بعد بلوغ سن معينة؛ والثاني، بدء عملية التنازل وصولًا إلى الموت مع اكتمال النضوج الجنسي.
يمكن اعادة سبب موت الإنسان بنسبة 50 في المئة إلى هذا الحد العمري، لكن هذا الحد يبقى ثابتًا بنسبة 0،6 في المئة في الهيدرا ولا يتأثر بمرور السنين؛ ولا يمكن وجود مثل هذه النسبة عند الإنسان إلا في الشباب من عمر 20 إلى 30 سنة. في ذات الوقت، لا تنخفض قدرة الهيدرا على التكاثر مهما مر الزمن، وهذا يعني، بالنسبة إلى الباحثين الألمان، البقاء في مرحلة الشباب لفترة لا يمكن تحديدها.
&
ينبوع شباب لا ينضب

بدأ العلماء في روستوك تجربتهم في العام 2006 من خلال تربية 1800 حيوان هيدرا داخل أنابيب منفصلة، كل على حدة، في مياه عذبة نقية، او مام أشعة شمس دائمة. واشرفوا يوميًا على تغذيتها بكميات متساوية من الغذاء. منعوا في ذات الوقت أي مؤثر خارجي يمكن أن يؤثر في حياة الهيدرا ويؤدي إلى موتها تسممًا أو جرثوميًا ما شابه ذلك. كانوا يفصلون الهيدرا الصغيرة، التي تنجم عن التكاثر في أنابيب مماثلة وعملوا على تغذيتها بنفس الكميات وتحت نفس الشروط. وكتب العلماء انهم راقبوا حياة وتطور الهيدرا طوال 3,9 مليون يومًا، حسبت بحسب تكاثر عددها، وانه لم يمت منها إلا 5 في السنة كمعدل. وكان موت هذه الهيدرا بسبب العمل المختبري (الحوادث) مثل الالتصاق بغطاء الانبوب أو السقوط على الأرض أثناء العمل.
&
حياة عمرها 3000 سنة

يرى العلماء أن نسبة الموت بين الهيدرا، وبالتالي طول عمرها، لا تمكن مراقبته، لأن ذلك قد يحتاج إلى أجيال من العلماء الذي يراقبونها الواحد بعد الآخر. وقدر رالف شايبله أن موت 5 في المئة من جيل واحد من الهيدرا قد يتطلب 500 سنة. وهناك ما هو أهم تم اكتشافه في المختبر، وهو أن موت 5 في المئة من الهيدرا في أنبوبين من 12 انبوبًا تم فحصها تشي بالحاجة إلى 3000 سنة كي تموت.

ويعتقد الباحث الكسندر شويرلاين، من معهد ماكس بلانك، أن الهيدرا تنتهج استراتيجيا تكاثر وتطور لا تتعرض إلى طفرات أو نواقص وراثية، وتحافظ بذلك على حياتها الطويلة. وهذا يعني أنها تحتفظ بـ "ينبوع شباب" دائم يتيح لها هذه الحياة شبه السرمدية.
ثبت أيضًا أن الهيدرا قادرة على استبدال أذرعها، أو أي جزء تفقده من جسدها، من خلال عملية ترميم كاملة لا تجعل الجزء الجديد يختلف عن سابقه. بل تستطيع الهيدرا ترميم نفسها بالكامل بعد تعرض كامل جسدها للضرر، وتم رصد ذلك تحت المجهر.
&