نصادف شخصين بعمر واحد يعيشان في ظروف متقاربة، لكن احدهما يتفجر حيوية وصحة ويبدو الآخر منهكًا. اثارت هذه الظاهرة اهتمام العلماء لدراسة اسباب الاختلاف في معدلات الشيخوخة.

لندن: يقول العلماء إن عمرنا الصحي هو عدد السنوات التي نعيشها متعافين وعمرنا المرضي هو السنوات التي نعيشها مع امراض تتدخل في نوعية حياتنا.

وتقترن هذه السنوات بأمراض الشيخوخة مثل القلب والأوعية الدموية والتهاب المفاصل وضعف المناعة والسكري والسرطان والرئة وغيرها. وتظهر علائم الشيخوخة على البَشَرة وشعر الرأس ايضًا. والأسوأ من ذلك أن هذه الأمراض لا تأتي فرادى بل تأتي مجتمعة.

وبالنسبة إلى البعض، فإن أمراض الشيخوخة تعجل بنهاية الحياة. لكن الحياة تستمر بالنسبة إلى البعض الآخر، وإن تكن الحياة قد فقدت عنفوانها ونشاطها السابق. وخلص البعض من ذلك إلى الاعتقاد بأن الطبيعة هي كل ما يحدد نوع الشيخوخة، وإن الجينات التي يولد بها الشخص هي العامل الحاسم. لكن هناك كثيرين يقولون إن العامل الحاسم هو ليس ما يولد به المرء من جينات ومشاكل وراثية بل نمط الحياة الصحي، وخاصة نظام غذائي متوازن وتمارين بدنية منتظمة.

نحو الاعتلال والتردي

لكن العالمة المعروفة اليزابيث بلاكبرن، الفائزة بجائزة نوبل، تقول في كتابها الجديد The Telomere Effect "مؤثر التيلومير" أن الاثنين حاسمان، الجينات والبيئة. وان التفاعل بينهما هو ما يتسم بأهمية قصوى. فالمرء يولد بمجموعة معينة من الجينات ولكن نمط حياته يمكن أن يؤثر في طريقة الجينات للتعبير عن نفسها. وفي بعض الحالات يمكن أن تقوم عوامل نمط الحياة بتفعيل الجينات أو تعطيلها ـ تشغيلها أو اطفائها. وعلى حد تعبير الباحث المختص بالبدانة جورج براي فان "الجينات تحشو السلاح والبيئة تضغط على الزناد".

وتشدد بلاكبرن على دور التيلوميرات وهي تركيبات للحمض النووي في اطراف الكروموسومات. فان هذه التيلوميرات التي يقصر طولها مع كل انشطار في الخلايا تسهم في تحديد سرعة الوتيرة التي تشيخ بها الخلية ومتى تموت. ويعتمد ذلك على سرعة تآكل التيلوميرات نفسها.

دينامية يمكن تسريعها

اظهرت الابحاث أن نهايات الكروموسومات هذه يمكن أن تطول وبالتالي فان الشيخوخة عملية دينامية يمكن تسريعها أو ابطاؤها، ومن بعض النواحي يمكن قلب اتجاهها ايضًا. وبناء على ذلك فان الشيخوخة ليس من المحتم أن تكون منحدرًا زلقًا على طول الخط نحو الاعتلال والتردي. فنحن نكبر سنًا ولكن الطريقة التي نكبر بها تعتمد بدرجة كبيرة على صحتنا الخلوية.

يمكن لخلايا الانسان السليمة أن تنشطر بصورة متكررة طالما أن التيلوميرات ولبنات الخلية الأخرى مثل البروتينات مستمرة في العمل بصورة طبيعية. وبعد ذلك، تصبح الخلايا هرمة.

في النهاية، يمكن أن يمتد هذا الهرم إلى خلايانا الجذعية العجيبة. وهذا القيد على استمرار خلايانا في الانشطار هو أحد الأسباب في الهبوط الطبيعي لسنوات الصحة في حياتنا مع دخولنا السبعينات والثمانينات من العمر.

في متناول اليد

لكن العيش سنوات طويلة من الصحة والعمر المديد هو الآن في متناول يدنا. وهناك اليوم نحو 300 الف شخص في انحاء العالم بلغوا سن المئة، واعدادهم آخذة في الازدياد. والأكثر منهم عدد الذين يعيشون إلى التسعينات. واستنادا إلى هذه الاتجاهات يُقدر أن ثلث الأطفال الذين يولدون في بريطانيا الآن سيعمرون إلى مئة سنة. وإذا فهمنا العوامل التي تقف وراء تجديد خلايانا على الوجه المطلوب، ستكون لدينا مفاصل تعمل بانسيابية ورئات تتنفس بسهولة وخلايا مناعية تكافح العدوى بضراوة وقلب يستمر في ضخ الدم عبر ردهاته الأربع ودماغ يبقى حادا في سنوات الشيخوخة.

لكن الخلايا احيانًا لا تواصل انشطارها كما ينبغي، واحيانًا أخرى تتوقف عن الانشطار في وقت مبكر داخلة مرحلة الهرم قبل أوانها. وعندما يحدث هذا، لا يعيش المرء تلك العقود الثمانية أو التسعة العظيمة بل يصاب بشيخوخة خلوية مبكرة. وهذه الشيخوخة الخلوية المبكرة هي ما تجعل البعض يبدون أكبر من عمرهم.

أعدت "إيلاف" هذا التقربر بتصرف عن "ثرايف غلوبال" Thrive Global. الأصل منشور على الرابط الآتي:

https://journal.thriveglobal.com/the-fascinating-science-behind-how-2-people-can-age-differently-c7ecd1c18cdd#.vvjl0tcfs