أعرب عراقيون عن شعورهم بالاحباط من قيام المرشحين للانتخابات النيابية المقبلة بالاعتماد على الدور العشائري في حملاتهم الانتخابية، مؤكدين أن هذا التوجه لن يخدم العراق ولن يجلب له إلا الكثير من المتاعب والتخلف.

بغداد: تشهد الساحة الانتخابية العراقية، على الرغم من عدم انطلاق الحملات حتى الآن، صراعًا كبيرًا في الانتماء إلى القبيلة قبل الانتماء إلى البلد، فالجميع بدأ يتحدث باسم العشيرة، وهذا ما يجعل العديد من العراقيين يشعرون باليأس من قيام دولة مدنية تحترم الانسان دون النظر إلى قوميته أو طائفته أو عشيرته.

وأكد العديد من العراقيين أن اللجوء إلى العشيرة قد عمقه ضعف أجهزة الدولة التي لم تجد في الحفاظ على كينونتها الا من خلال الرجوع إلى العشيرة لضبط الاوضاع الامنية. واوضح البعض أن هذا جاء من خلال تشكيل مجالس الاسناد التابعة للحكومة والممولة من المال العام، والتي بلغ عددها في المحافظات 196 ينتمي إليها نحو 5405 أعضاء من شيوخ ووجهاء القبائل في جميع محافظات العراق باستثناء إقليم كردستان.

ويشير العراقيون إلى أنّه في ظل هذا الاعتراف السياسي الواسع شهدت العشيرة توسعاً وصارت تمارس أدوارًا هي من اختصاصات الدولة. كذلك عملت العشائر على اعادة تنظيم نفسها بصورة أكثر وضوحاً من خلال تنظيم المؤتمرات التي أصبحت تعقد في افخم فنادق العاصمة وبحضور سياسي رفيع جداً دلالة على الاعتراف السياسي بشيوخ العشائر من قبل السلطة الحاكمة، فضلاً عن أن العراق شهد ولادة الكثير من التكتلات العشائرية التي تعمل في الحقل السياسي، وهذا ما يراه الكثيرون خطراً محدقًا بالبلد مستقبلاً.

ذوبان الكفاءة لصالح الفساد

وأكد فاضل حسن، طالب دراسات عليا، أن اللجوء إلى العشيرة من اجل الكسب الانتخابي أمر خطير لأنه سينتج في الاغلب مجموعة من النواب غير المؤهلين، وقال: اعرف العديد من المرشحينلم يكونوا يذكرون اسم عشيرتهم في تعاملاتهم اليومية، ولكن ما ان رشحوا أنفسهم إلى الانتخابات حتى أصبحنا نقرأ اسماء عشائرهم، ما سيؤدي إلى ذوبان الكفاءة ويكون البديل لها الفساد.

غزوات!

من جهته، قال شامل محمد رضا، موظف في وزارة التربية، إن العشائر اصبحت تستعد للانتخابات كما تستعد القبائل في السابق للغزوات، وأضاف: هناك الكثير من اللافتات التي تعلق في المناطق الشعبية وهي تقول إن العشيرة الفلانية تفتخر وتحيي وتساند ابنها وتدعو العشائر الاخرى إلى انّتخابه، وهذا لوحده برأيي خطيئة كبيرة لأن القضية اصبحت طائفية وعشائرية. وأضاف: انا ابحث عن دولة مدنية، انا اريد نائبًا أو وزيراً أو مسؤولاً يقول إنه ابن العراق وليس ابن عشيرته.

أما ايمان عبد القادر، موظفة في وزارة الكهرباء، فأشارت إلى أنّ اجراء الانتخابات على أسس عشائرية لا يخدم العراق، وقالت: صحيح أن العراق بلد قبائل ولديه عادات وتقاليد قبلية، ولكن للاسف لم تكن مترسخة وقوية مثلما هي الآن، كلنا نعتز بعشائرنا ولكن لا أن يصل الحال إلى أنّ انتخب ابن عشيرتي، وهناك افضل منه، نحن لا نريد أن يتم اختيار الشخص لعشيرته بل لاخلاصه وكفاءته واخلاقه.

ابن العشيرة البار!

اما الصحافي مهدي العكيلي فقال: اخذ اغلب المرشحين لمجلس النواب يستخدمون العشيرة للوصول الى الكرسي بعد أن كان 99% منهملميكونوا يذكرون اسم العشيرة، والان اخذوا يرفعون شعار العشيرة لكسب الاصوات، وبعد الجلوس على كرسي النواب يشطب اسم العشيرة ويغلق هاتفه بوجوه ابناء عشيرته الذين كانوا جسرًا له للوصول إلى مبتغاه. وأضاف: نتمنى من كل ابناء العشائر أن لا يكونوا صيدًا سهلاً وألا يعطوا اصواتهم لمن يريد أن يسرقهم باسم العشيرة.

تناحر طائفي

اما الكاتب علي الساعدي فقد حذر من أن التناحر العشائري أخطر من الطائفي، وقال: القوى السياسية التي جاءت إلى العراق لم تكن لديها اية رؤية واقعية ولم تستوعب قضية بناء دولة مدنية على انقاض دولة بوليسية عسكرية، ولأن هذه القوى بلا قواعد شعبية في المجتمع العراقي فإنها اعتمدت بالدرجة الاولى على العشيرة لتساندها في مواقفها فذهب كل واحد منهم إلى الصاق اسم عشيرته باسمه دون أي ادراك لقيمة هذه القواعد أو نوعيتها أو خلفيتها الثقافية أو السياسية، المهم لديهم أن يكون هناك جمهور يتبعهم ويمنحهم صوته في الانتخابات، والسنوات العشر الماضية تؤكد أن قيمة العشيرة هي التي سادت لذلك كانت الحكومة عاجزة تمامًا.

وأضاف: التناحر العشائري نتائجه وخيمة جدًا، وهو أخطر من التناحر الطائفي أو القومي.