رغم أن عمّال مصر كانوا ومازالوا وقود الثورة، وساهموا فيها بالقسط الأوفر من الضحايا والمصابين، إلا أنهم لم يجنوا ثمارهم إلى الآن... لذلك لم يكن عيدهم سعيدًا بأي حال.


صبري عبد الحفيظ من القاهرة: يحيي عمال مصر عيدهم في العام 2014، وهم يناضلون من أجل الحصول على أبسط حقوقهم الإنسانية.

ورغم أنهم كانوا أول من أشعل شرارة الثورة ضد نظام حكم حسني مبارك، في الوقت الذي كانت النخبة السياسية والثقافية تقيم مهرجانات النفاق له ليل نهار، إلا أنهم تحولوا إلى ضحايا لها منذ يناير 2011، وحتى الآن.

أبطال الثورة وضحاياها

رغم أن عمال مصر كانوا ومازالوا وقود الثورة، وساهموا فيها بالقسط الأوفر من الضحايا والمصابين، إلا أنهم لم يجنوا ثمارهم، في الوقت الذي جنى فيه ثمارها من إندلعت الثورات ضدهم بالأساس.

فبينما زادت مرتبات جهاز الشرطة، والجيش والقضاء، مازال العمال يناضلون من أجل الحصول على الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة، والمقدر بـ1200 جنيه شهرياً، أي ما يعادل 171.5 دولاراً.

ووفقاً لدراسة نوعية أصدرها البيت العربي لحقوق الإنسان، فإن العمال المصريين قدموا 4500 مصاب في الثورة، كما أن 70% من المصابين عمال من دون مؤهلات، و12% عمال بمؤهلات متوسطة، أي أن 82% من المصابين من العمال، و11% طلاب مدارس، و7% مؤهلات عليا.

عمال بلا حقوق

تبلغ قوة العمل في مصر 26 مليوناً و180 ألف عامل. وبلغ عدد المشتغلين 23 مليوناً و839 ألف عامل، وبلغ عدد العاطلين 2 مليون و351 ألف عاطل. ويصل متوسط أجر العامل المصري إلى 41.6 جنيهاً يوميا في مقابل متوسط ساعات عمل 47.2 ساعة أسبوعياً.

يعمل اكثر من 3 ملايين عامل بالقطاع الخاص دون معايير العمل اللائق، وتصل نسبة العاملين في القطاع الخاص من دون عقود، ومن دون أية مظلات تأمينية إجتماعية أو صحية بـ98.5%، من العاملين في هذا القطاع، بينما 1.5% فقط هم من يحصلون على حقوقهم.

وهناك 12 مليون عامل في مصر محرومون من الحماية القانونية والتأمينات والضمان الاجتماعي.

ورغم أن إتحاد العمال الرسمي، من المفترض فيه الدفاع عن حقوق العمال، إلا أنه تحول إلى مؤسسة تستغل العمال وتهدر حقوقهم لصالح السلطة، ونتيجة لذلك نشأت نقابات مستقلة تدافع عن حقوقهم، ووصل عددها إلى ألفي نقابة، إلا أنها تعاني من غياب الغطاء القانوني لها منذ نهاية عهد مبارك وحتى الآن.

نصيب الأجور ضمن النفقات المتوقعة للدولة في 2013/2014 يبلغ 171.2 مليارًا، وذلك من إجمالي قدره 689.3 مليار جنيه، بينما إجمالي الإيرادات لن يتعدى الـ505.4 مليارات.

شرارة الثورة الأولى

ضربت الإحتجاجات العمالية مصر منذ بداية العام 2008، عندما أعلن عمال مصانع غزل المحلة للغزل والنسيج إضراباً واسعاً عن العمل، ما أدى إلى شلل تام في المدينة، ووقوع إضطرابات وتدخلت الشرطة بالقوة، ما أدى إلى مقتل أربعة أشخاص، وإعتقال المئات منهم.

وواصل العمال إحتجاجاتهم في مختلف القطاعات، ونظموا إعتصامات شجاعة أمام مقر مجلس الوزاء في وسط القاهرة، وانتهت ثورة العمال بخروج الملايين من المصريين إلى الميادين في 25 يناير 2011، إحتجاجاً على الفساد وسوء الأوضاع المعيشية وانتشار القمع والتعذيب من قبل جهاز الشرطة.

اعتقد العمال وغيرهم من المصريين أنهم بإسقاط رأس نظام حسني مبارك وحاشيته، صاروا قادرين على تحقيق أهداف الثورة quot;عيش حرية وعدالة إجتماعيةquot;، إلا أن تلك الأحلام تبخرت سريعاً، ووجهت إليهم إتهامات من قبيل المؤامرة، وتعطيل عجلة الإنتاج، وتنظيم إضرابات فئوية، وهي الإتهامات التي وجهت إليهم في ثلاث مراحل تلت الثورة، الأولى عهد المجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي، والثانية عهد جماعة الإخوان برئاسة محمد مرسي، والثالثة المرحلة الإنتقالية بقيادة شكلية للرئيس الموقت عدلي منصور، وقيادة فعلية لوزير الدفاع المستقيل والمرشح الرئاسي الحالي عبد الفتاح السيسي.

عيد في القاعات وحصار بالمصانع

وفي الوقت الذي احتفل فيه رئيس الجمهورية الموقت عدلي منصور، داخل قاعة المؤتمرات بالقاهرة بعيد العمال مع قيادات اتحاد العمال الرسمي، كانت قوات الجيش والشرطة في السويس تحاصر حوالي 200 عامل بشركة توريد العمالة بلاتنيوم، الذين يعملون في ميناء العين السخنة، داخل مقر عملهم بالميناء ومنعت القوات عنهم الطعام والماء.

بينما تم منع بقية العمال البالغ عددهم أكثر من 700 عامل من الدخول للانضمام لزملائهم داخل الميناء، وتم تهديدهم من قبل قيادات الجيش بالقبض عليهم في حال أحضروا أي طعام لزملائهم المحاصرين بالداخل.

وانتقدت 12 منظمة حقوقية وعمالية مصرية هذا المسلك من جانب قوات الجيش، وتساءلت في بيان لها: هل تحول عمال مصر لعدو لدرجة أن يحاصرهم الجيش الثالث الميداني داخل مقر عملهم ويعمل على تجويعهم، ويعلن الميناء منطقة عسكرية؟ وما هي الجريمة التي ارتكبها العمال حتى يتعرضوا للاعتداء بقنابل الغاز المسيلة للدموع وبإطلاق الرصاص الحي لترويعهم.

قنابل الغاز عقاب المطالبة بالحقوق

وبدأ عمال شركة بلاتنيوم اعتصامهم داخل الميناء في يوم الاثنين الموافق 28 أبريل، وذلك للمطالبة بتنفيذ الاتفاق الذي تم توقيعه مع محافظ السويس، بحضور مندوب من رئاسة الجمهورية آنذاك المستشار محمد جاب الله، في وجود اللواء محمد شمس الدين، نائب قائد الجيش الثالث الميداني.

وتضمن الاتفاق أن تنشئ وزارة النقل شركة تابعة لها يتم تشغيل هؤلاء العمال فيها بدلاً من تشغيلهم في شركات توريد العمالة، وتم وقتها توقيع عقود موقتة لهم لحين الانتهاء من إنشاء هذه الشركة.

وكان ذلك عقب إضرابهم في بداية عام 2013، إلا أنهم فوجئوا بنقلهم لشركة توريد عمالة مرة أخرى بالمخالفة للاتفاق المبرم تدعى كوين سيرفس للخدمات الوطنية، مملوكة لأحد لواءات القوات المسلحة المتقاعدين، وعندما اعترض العمال وطالبوا بتطبيق الاتفاق الذي تم بينهم وبين الحكومة، كان رد نائب قائد الجيش الثالث أن المحافظ ووزير النقل ورئيس الهيئة الذين وقعوا معهم الاتفاق قد ذهبوا وذهب معهم الاتفاق، وأن عليهم الخضوع للأمر الواقع.

أعلن العمال الاعتصام في ميناء العين السخنة، وامتنعوا عن تفريغ حمولات السفن لحين تنفيذ ما تم الاتفاق عليه، فما كان من قوات الجيش والشرطة كما ذكر العمال إلا أن أمطروهم بقنابل الغاز المسيل للدموع، وكذلك بالخرطوش فجر يوم الثلاثاء 29 أبريل.

وحسب البيان، فإن العمال تحدثوا عن اصابات بدنية حدثت لهم نتيجة الاعتداء المباشر للجنود عليهم، مما ادى لكسور وجروح وكدمات بعدد من العمال.

وطالبت المنظمات العمالية والحقوقية بفض الحصار المضروب على عمال شركة بلاتينيوم فوراً، وأن تنفذ الحكومة الاتفاق المبرم بينها وبينهم في ما يخص إنشاء شركة لتشغيلهم فيها تتبع وزارة النقل. كما يطالبون بأن تتوقف الدولة عن استخدام الجيش ضد عمال مصر فهم ليسوا أعداء الوطن حتى يعتدى عليهم بهذا الشكل، على حد تعبير المنظمات.

احتجاجات مستمرة رغم حظر التظاهر

ذكر تقرير آخر للمركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية، أن الربع الأول من العام الحالي 2014، شهد 354 احتجاجًا، وذلك على الرغم من البدء في تطبيق قانون التظاهر سيئ السمعة في نوفمبر الماضي، وترهيب المواطنين بعقوباته الرادعة.

وتصدرت الحركة العمالية الاحتجاجات بواقع 249 احتجاجًا، تلتها الاحتجاجات ذات الطابع أو المطالب الاجتماعية من أهاليبواقع 71 احتجاجًا، ثم في النهاية ذات الطابع أو المطالب الاقتصادية بواقع 34 احتجاجًا.

مموّلو الضرائب عمال

ما يثير الدهشة في أوضاع العمال المصريين، أنه رغم معاناتهم من تدني الأجور وسوء الأوضاع المعيشية، إلا أنهم الأكثر تمويلاً للضرائب من فئة الأثرياء ورجال الأعمال، الذين دأبوا على التهرب من دفعها نتيجة فساد منظومة الضرائب في مصر.

وقال عادل عامر الخبير الإقتصادي، لـquot;إيلافquot; إن مصر تعاني من ظاهرة التهرب الضريبي، لاسيما من قبل رجال الأعمال والأثرياء، منوهاً بأن العمال والموظفين هم الأكثر تمويلاً للضرائب.

وأفاد بأن حجم التهرب الضريبي يصل الى 350 مليار جنيه سنوياً في حين لا تتجاوز قيمة الحصيلة الضريبية الـ230 مليار جنيه.

وشدد على ضرورة مواجهة التهرب الضريبي، بما يرفع الحصيلة الى 550 مليار جنيه، ويؤدي إلى سد العجز في الموازنة العامة. وأشار إلى أن rlm;85rlm; مليار جنيه من الحصيلة الضريبية للدولة، تدفعها الحكومة نفسها.

الثورة لم تصل إلى مواقع العمل والإنتاج، ولم يحصل العمال على حقوقهم، وليست هناك أي بادرة أمل على أنهم سوف يجنون ثمار ما زرعوه من نضال، لذلك فالعمال المصريون مستمرون في نضالهم، حتى يحصلوا على الحد الأدني من الحقوق والحريات.