وجّه المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، رسالة مباشرة إلى الشباب الأوروبيين ونظرائهم في أميركا الشمالية، تناول فيها الأحداث التي شهدتها فرنسا ودول أخرى في الآونة الأخيرة.
نصر المجالي: قال خامنئي في الرسالة التي وجّهها الأربعاء، إن الأحداث الأخيرة في فرنسا وما شابهها في بعض الدول الغربية أقنعتني أن أتحدّث إليكم مباشرة من دون أن أتجاهل دور والديكم، لأني أرى مستقبل شعبكم وأرضكم بأيديكم.
أضاف: أرى أن الإحساس بضرورة معرفة الحقيقة في قلوبكم أكثر حيوية ووعيًا. وكذلك فإني لا أخاطب الساسة والمسؤولين عندكم، لأني أتصور أنهم بعلمٍ ودرايةٍ منهم فصلوا درب السياسة عن مسار الصدق والحقيقة.
وقال المرشد الإيراني الأعلى للشباب الغربي إن حديثي معكم عن الإسلام وبصورةٍ خاصةٍ عن الصورة التي يعرضونها عن الإسلام لكم. ونوّه خامنئي بأنه قبل عقدين وإلى يومنا هذا، أي بعد انهيار الإتحاد السوفيتي تقريبًا، جرت محاولات كثيرة لإعطاء هذا الدين العظيم موقع العداء المخيف، "وللأسف فإن عملية إثارة مشاعر الرعب والفزع والنفور واستغلالها لها ماضٍ طويل في التاريخ السياسي للغرب".
إثارة الرعب
وقال: لا أريد هنا أن أتعرّض إلى ما يثيرون من أنواع الرعب في قلوب الشعوب الغربية، وعند استعراضكم العابر للدراسات التاريخية والنقدية المعاصرة، ستجدون كيف تؤنب الكتابات التاريخية الأعمال الكاذبة والمزيِّفة للدول الغربية تجاه سائر الشعوب والثقافات.
وأشار خامنئي إلى أن تاريخ أوروبا وأميركا يطأطئ رأسه خجلاً أمام سلوكه الإسترقاقي والإستعماري وظلمه تجاه الملوّنين وغير المسيحيين، ثم إنّ المؤرخين والباحثين لديكم عندما يمرون على عمليات سفك الدماء باسم الدين بين البروتستانت والكاثوليك أو باسم القومية والوطنية إبان الحربين العالميتين الأولى والثانية يشعرون بالمرارة والإنحطاط.
وتابع يقول: وهذا بحد ذاته يدعو إلى التقدير، ولست أستهدف من خلال استعادة قسم من هذه القائمة الطويلة جَلد التاريخ، ولكني أريد منكم أن تسألوا كل مثقفيكم ونخبكم لماذا لا يستقيظ الوجدان العام في الغرب دائمًا إلا مع تأخير عشرات السنين وربما المئات من السنين؟، ولماذا كانت عملية النظر في الوجدان العام تتّجه نحو الماضي البعيد وتهمل الأحداث المعاصرة؟.
لماذا نجدهم في موضوع مهم من قبيل أسلوب التعاطي مع الثقافة والفكر الإسلامي يمنعون من تكوّن وعي عام لديكم؟. واستطرد خامنئي: أنتم تعلمون جيدًا أن التحقير وإيجاد حالة النفور والرهاب الموهوم من الآخرين تشكل أرضية مشتركة لكل تلك الإستغلالات الظالمة. "وأريد الآن أن تسألوا أنفسكم لماذا استهدفت سياسة نشر الرعب والنفور القديمة الإسلام والمسلمين بقوة وبشكل لا سابقة لها؟، لماذا يتّجه نظام القوة والسلطة في عالمنا اليوم نحو تهميش الفكر الإسلامي وجرّه إلى حالة الإنفعال؟".
مشاريع القوى الكبرى
وتساءل مرشد الثورة الإيرانية في رسالته: هل هناك مفاهيم وقيم في الإسلام تزاحم برامج ومشاريع القوى الكبرى؟، وما هي المصالح التي تتوخاها هذه القوى من وراء طرح صورة مشوّهة وخاطئة عن الإسلام؟، ولهذا فإن طلبي الأوّل منكم أن تتساءلوا وتتحرّوا عن عوامل هذا التعتيم الواسع ضد الإسلام.
وقال إن الأمر الثاني الذي أطلبه منكم أن تقوموا كردِّ فعلٍ لسيل الإتهامات والتصورات المسبقة والإعلام السلبي، وأن تسعوا إلى تكوين معرفة مباشرة، ودونما وساطة عن هذا الدين. إن المنطق السليم يقتضي أن تدركوا حقيقة الأمور التي يسعون إلى إبعادكم عنها وتخويفكم منها، فما هي وما هي أبعادها وحقيقتها؟.
وتابع: أنا لا أصرّ عليكم على أن تقبلوا رؤيتي أو أية رؤية أخرى عن الإسلام، لكني أدعوكم إلى ألّا تسمحوا بأن يستفيد هؤلاء من الإدعاءات المرائية للإرهابيين العملاء لهم وتقديمهم إليكم باعتبارهم مندوبي الإسلام. عليكم أن تعرفوا الإسلام من مصادره الأصيلة ومنابعه الأولى، تعرّفوا إلى الإسلام عبر القرآن الكريم وسيرة الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله وسلّم).
القرآن والحديث
وأودّ هنا أن أتساءل: هل راجعتم قرآن المسلمين مباشرة؟، هل طالعتم أقوال رسول الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتعاليمه الإنسانية والأخلاقية؟، هل إطلعتم على رسالة الإسلام من مصدر آخر غير الإعلام، هل سألتم أنفسكم كيف استطاع الإسلام ووفق أية قيم طوال قرون متمادية أن يقيم أكبر حضارة علمية وفكرية في العالم وأن يربي أفضل العلماء والمفكرين؟.
وطالب المرشد الإيراني الشباب الغربي بألاّ يسمحوا لهم بوضع سدّ عاطفي وإحساسي منيع بينكم وبين الواقع عبر رسم صورة سخيفة كاذبة عن الإسلام ليسلبوا منكم إمكانية الحكم الموضوعي.
وقال: واليوم حيث نرى أن أجهزة التواصل اخترقت الحدود الجغرافية، عليكم ألّا تسمحوا لهم أن يحاصروكم في الحدود الذهنية المصطنعة، وإن كان من غير الممكن لأي أحد أن يملأ الفراغات المستحدثة بشكل فردي، لكنّ كلاً منكم يستطيع هادئًا لتوعية نفسه وبيئته أن يقيم جسرًا من الفكر والإنصاف على هذه الفراغات.
التحدي المبرمج
ونبّه خامنئي إلى أن هذا التحدي المبرمج من قبل، لنوع العلاقة بين الإسلام وبينكم، أنتم الشباب، أمر مؤلم، لكن بإمكانه أن يثير تساؤلات جديدة في ذهنكم الوقاد والباحث. وختم المرشد الإيراني رسالته قائلاً: إن سعيكم إلى معرفة الأجوبة عن هذه التساؤلات يشكل فرصة سانحة لكشف الحقائق الجديدة أمامكم، وعليه يجب ألا تفوتوا هذه الفرصة للوصول إلى الفهم الصحيح وإدراك الواقع من دون حكم مسبق، ولعلّه من آثار تحملّكم هذه المسؤولية تجاه الواقع، أن تقوم الأجيال الآتية بتقويم هذه الفترة من تاريخ التعامل الغربي مع الإسلام، بألمٍ أقل زخمًا، وبوجدانٍ أكثر اطمئنانًا.
&
التعليقات