تُناقض نظرية "العملية الثنائية" ما يتردد عن العلاقة السببية بين التعليم والتديّن، وتقول هذه النظرية العلمية إنّ الأشخاص يتخذون قراراتهم إما بعد دراسة أو على أساس الحدس، وأن المستوى التعليمي لديهم لا يؤثر على قراراتهم.


عبدالإله مجيد من لندن: كان الاعتقاد الشائع انه كلما ارتفع مستوى تعليم الشخص زادت احتمالات وضعه وجود قوة ما فوق الطبيعة موضع تساؤل. ولكن التناقض المفترض بين العلم والدين حيث يُنظر الى الدين على انه "علم" الجاهل، لم يشهد مناقشة علمية حوله حتى الآونة الأخيرة.

وقبل ان يصبح البابا فرنسيس رئيس الكنيسة الكاثوليكية عام 2013 بعدة سنوات بدأ علماء نفسيون يدحضون الفكرة القائلة بأن ارتفاع مستوى تعليم الشخص يعني ان احتمالات تدينه تكون اقل.

وظهرت بدلا من ذلك نظرية جديدة في السيكولوجيا الاجتماعية لا تمت بصلة تُذكر الى مستوى التعليم.&

وبحسب نظرية "العملية الثنائية" فان الأشخاص يتخذون قراراتهم إما بعد دراسة أو على أساس الحدس.

ويميل الأشخاص الذين يعتمدون الدرس والتمحيص الى التفكير في الأشياء مليا وإيجاد سبب عقلاني لخياراتهم في حين ان الأشخاص الذي يتكلون على الحدس يفعلون ما يبدو انه صحيح بناء على احساسهم بصحته.

وكان ديفيد راند رئيس مختبر التعاون البشري في جامعة ييل ويدرس عملية صنع الخيار من اوائل الذين ذهبوا الى ان الحدس والتمحيص عاملان اساسيان في تدين الشخص وذلك في بحث شارك راند فيه عام 2011.

واستخدم راند وزملاؤه "اختبار الانعكاس المعرفي" الذي يقيس مستوى الحدس أو التمحيص لدى الشخص بطريقة اجابته عن الأسئلة.

وكانت الاجابات الحدسية مثيرة للاهتمام وتستحق الاعجاب لكنها في الغالب اجابات غير صحيحة.

وعلى سبيل المثال في أحجية ما إذا كان كيلو من الحديد أثقل من كيلو من الريش يرى الشخص الحدسي انفصام العلاقة الوزنية بين الحديد والريش فيوجه اهتمامه على هذا الانفصام ويجيب ان كيلو الحديد أثقل. اما الشخص الذي يعتمد الدرس فانه يتوقف وينظر في السؤال ويلاحظ ان كلا الخيارين محسوبان بالكيلوغرام ويعطي الاجابة الصحيحة وهي ان لا هذا ولا ذاك أثقل من الآخر.

واكتشف الباحثون ان لدى الأشخاص الذين أعطوا اجابة حدسية ايماناً اقوى بالله.

ونقلت مجلة تايم عن الباحث راند قوله "ان عمليات حدسية معينة تميل الى قيادة الشخص للايمان بالله.& ويكون لدى بعض الأشخاص ميل حدسي الى إضفاء قصدية على العالم: ان احدا ما أراد عن قصد ان يحدث لي شيء ما". ومن جهة أخرى فان الشخص الذي يدرس الأمور قد يفسر شيئا ما حدث له على انه نتيجة سلسلة من الأحداث أو انه يعتقد بكل بساطة بأن ما حدث له ليس له تفسير.

ولم يكن راند وحده في التوصل الى هذا الاستنتاج.& فان غوردن بنيكوك الذي يدرس الدكتوراه في جامعة واترلو شارك في كتابة بحث خلص الى النتيجة نفسها.

إذ وجد بنيكوك ان هناك علاقة طردية تقول انه كلما ارتفع مستوى تعليم الشخص زاد احتمال ميله الى الالحاد ولكن الأهم من ذلك هو ما إذا كان تفكيره حدسيا أو تمحيصيا.

ويقول بنيكوك "ان التعليم يمكن ان يقوم بدور لأن التعليم يعلمك على التفكير التحليلي ولكن الأمر لا يتعلق بالمعرفة بحد ذاتها بل يتعلق أكثر من ذلك بنمط التكفير النقدي الذي تميل اليه".

بيد ان قياس التدين يمكن ان يكون إشكاليا. إذ اعتمدت تجارب راند وبنيكوك على اجابة بسيطة بنعم أو لا عن السؤال "هل أنت متدين؟" ـ الأمر الذي يجعل من المحال تقريبا على اللاادري أو المتدين ثقافيا ان يجيب بدقة عن السؤال.

ولا يُعرف حتى الآن ما الذي يجعل الشخص حدسيا أو تمحيصيا. والتربية الدينية قد لا تقدم تفسيرا كاملا، كما تشير دراسة راند الذي يقول "وجدنا ان مدى حدسية الشخص أو تمحيصيته لا ترتبطان بمدى تدين العائلة التي نشأ بكنفها".

وبصرف النظر عن الآلية التي تقف وراء طريقتنا في اتخاذ القرارات فالأرجح اننا نستخدم التكتيكين على السواء، بحسب راند.

وهو يقول "ان الأشخص يوجدون على طيف متعدد الدرجات وليس هناك موقع أمثل على هذا الطيف ولكن الوقوف في نهاياته قد لا يكون أمرا حسنا. فإذا كنت حدسيا بافراط تكون احكامك خاطئة في كثير من الأحيان وإذا كنت تمحيصيا بإفراط فانك لا تكون كفوء في اطلاق الأحكام باستخدام قواعدك التي تستند الى الممارسة العملية".