قد يعرقل الدعم الروسي الكبير لنظام الأسد المساعي القائمة على البحث في حل سلمي انتقالي بسوريا، فأوباما وصفه بالخطأ الكبير، ووزير خارجية إيطاليا يخشى أن يزيد الوضع تعقيدًا.

بيروت: وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما استراتيجية روسيا في تقديم الدعم غير المحدود إلى رئيس النظام السوري بشار الأسد بـ "الخطا الكبير"، في رد من أوباما على أسئلة موظفين عسكريين في قاعدة عسكرية بولاية ميريلاند الأميركية الجمعة.

خطوات لانتقال سياسي
أضاف أوباما: "سنواصل قولنا لروسيا بأنها لن تستطيع الاستمرار في استراتيجية مصيرها الفشل"، موضحًا أن النظام السوري أجج الانقسامات الطائفية بين السنة والشيعة، وغارات طائراته دمرت مدن بأكملها، "لهذا السبب تحولت سوريا إلى مركز يستقطب الجهاديين من كافة أنحاء المنطقة".
وأشار أوباما إلى أن بلاده تتفق مع روسيا في فكرة محاربة المتطرفين، وخطورة تنظيم داعش، "ورغم خلافنا مع موسكو حول موضوع أوكرانيا، يمكننا توحيد مصالحنا في مجال محاربة التطرف، وإن كانت روسيا تريد العمل معنا ومع الدول الـ 60 التي يتألف منها التحالف الدولي، عندها يمكن التوصل إلى اتفاق بخصوص انتقال سياسي في سوريا، يقوم على رحيل الأسد، وتشكيل ائتلاف جديد يضم قوات واسعة ومعتدلة من المعارضة، وإعادة تأسيس النظام في سوريا".
وفي الشأن نفسه، رأى وزير الخارجية الايطالي باولو جينتيلوني أن لجوء روسيا إلى تعزيز الدفاع العسكري للرئيس السوري بشار الأسد يعقد الإطار السوري.
أضاف جينتيلوني في تصريحات إذاعية: "آمل أن تكون الأخبار المتداولة هذه الأيام عن الحضور الروسي في سوريا أقل خطورة مما تبدو عليه، وأن يكون قاصرًا على تعزيز حضورها العسكري في قواعدها بالبلاد، فموسكو كانت تمتلك دائمًا قواعد عسكرية في سوريا".
وخلص رئيس الدبلوماسية الإيطالية إلى القول: "لكن، إن كانت موسكو تتوهم بحل الأزمة بالدفاع عسكريًا عن نظام بشار الأسد، فسيمثل الأمر مزيدًا من التعقيد لإطار معقد للغاية أصلًا".
&
منعًا للحوادث العارضة
دعت موسكو، من ناحيتها، واشنطن إلى استئناف التعاون العسكري معها في المتوسط، لتفادي ما سمته "الحوادث العارضة في سوريا".
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمر صحافي عقب اجتماع مع نظيره المنغولي لونديغ بورفسورين: "التنسيق الروسي الأميركي مهم لتجنب حوادث غير مقصودة. لقد تحدثنا عن ذلك منذ بداية الأعمال التي يقوم بها التحالف بقيادة زملائنا الأميركيين".
وأوضح لافروف أن البنتاغون أوقف التعاون العملاني مع الجيش الروسي، لكن هذا التعاون ينبغي استئنافه، "ونحن ندعم دائمًا فكرة تحدث الجيشين مع بعضهما البعض، فهما يتفاهمان جيدًا، وهذا أمر مهم لتجنب الحوادث العارضة غير المرغوب فيها".
إلا أن هذا الكلام كشف مساع حثيثة تبذلها موسكو لحفظ موقع سياسي وجغرافي لها على الخارطة السورية، والاحتفاظ بوجودها في المياه الدافئة، وخلق توازن نفوذ مع تركيا، وسحب بعض الأوراق من يد إيران، التي استفادت من اتفاقها النووي مع الولايات المتحدة مضاعفة هواجس روسية من تنامي دورها في سوريا، بحسب تحليلات معارضين سوريين وخبراء.

أوراق سياسية
ونقلت "الشرق الأوسط" عن المعارض السوري جورج صبرة قوله إن التدخل الروسي دليل إضافي على خوف الروس من انهيار مفاجئ للنظام، وانكفائه سريعًا إلى الساحل، حيث معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها بشار الأسد.
ويؤكد صبرة: "إذا حصل الانكفاء، فإن النظام وداعميه سيتوجهون إلى الساحل حيث ستستغل روسيا الموضوع لحمايتهم، انطلاقًا من أن لها قاعدة سابقة لحماية الأقليات في سوريا، ولو كانت هذه المرة غير أسقفية".
ويضيف: "موسكو تستغل الإخلاء الأميركي للمنطقة، كون الرئيس الأميركي باراك أوباما لا يبذل الجهد اللازم للأزمة السورية، بل ينسحب منها ويهملها موقتًا، بينما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحاول القبض على الورقة السورية للمقايضة مع الأميركيين في أوكرانيا، كما شعر الروس بأن الإيرانيين هم المستفيد من الوضع السوري إثر الاتفاقات الأميركية والإيرانية التي دعمت الأسد، وعليه وجدت موسكو أنه لا بد من أن تأخذ شيئًا، خصوصًا أن نتائج الورقة السورية ستنعكس على مواقع في المنطقة وتمتد آثارها في العراق ولبنان".
&
تنافس روسي تركي إيراني
أما الباحث الاستراتيجي اللبناني الدكتور سامي نادر فقال للصحيفة نفسها إن مؤشرات انهيار النظام السوري إلى ارتفاع، "لكن الروس لن ينضموا إلى الصراع في موقع القتال إلى جانب النظام وفق الخطة (أ) كي لا يكرّروا تجربة حربهم في أفغانستان 1979، وموسكو يمكن أن تتحصن في مواقع دفاعية، تعتبر الملجأ الأخير للنظام".
ويشير نادر إلى أن للتدخل الروسي أبعاد دولية، أهمها منع الفريق الإيراني من السيطرة على شاطئ المتوسط، من الناقورة بجنوب لبنان إلى اللاذقية بشمال غربي سوريا، في حال تقسيم سوريا، "وهو ما سيحرم الروس من امتيازات لهم على الساحل منذ إنشائهم القاعدة البحرية في طرطوس عام 1966, والواضح أن هناك مباحثات حول سوريا بين واشنطن وطهران، وهو ما يزيد مخاوف موسكو من أن يذوب العلويون في البحر الفارسي، لذا يعتبر الروس أن حلفهم مع العلويين مهم، فإذا لم يتعرض العلويون للاقتلاع من قبل المد الشيعي، فإنهم قد يُقتلعون من قِبل تركيا التي دخلت الفضاء السوري، وكانت العامل الذي غيّر المعادلة في البلاد ودفع روسيا للدخول بشكل واضح، لأن المنطقة العلوية جغرافيًا امتداد للإسكندرون التي ابتلعها الأتراك في القرن الماضي".
ويضيف نادر أن المنافسة بين تركيا وروسيا معروفة تاريخيًا، وتصاعدت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل ضم أنقرة جمهوريات القوقاز إلى المنطقة الاقتصادية التركية، وهو ما يجعل الصراع الخفي بين البلدين في مستويات مرتفعة.&

هجومية
إلى ذلك، أكّدت مصادر سورية مطلعة لوكالة آكي الإيطالية للأنباء أن نظام دمشق استلم من روسيا طائرات تدريب حربية، وقام بتعديلها داخل سوريا لاستخدامها في تنفيذ مهمات هجومية، وباتت قادرة على حمل صواريخ وقنابل ثقيلة الوزن، وأن هذه الطريقة تُجنّب روسيا مشاكل تزويد النظام بطائرات هجومية كمقاتلات من طراز "ميغ".
وأوضحت المصادر للوكالة الإيطالية أن النظام استمل في الشهر الماضي دفعة ثانية من طائرات تدريب حربية من نوع "ياك" المزودة محركين نفاثين، وتم تعديلها في مطار عسكري بدمشق لتصبح هجومية خفيفة قادة على حمل صواريخ وقنابل تصل أوزان بعضها إلى نحو نصف طن.
وكان النظام السوري استلم في 2014 تسع طائرات "ياك" لأغراض التدريب، وأعلنت موسكو العام الماضي أنها ستسلم النظام 25 طائرة أخرى خلال سنتين من أصل 36 طائرة تعاقد النظام على شرائها في 2011، ولم تُعلن عن إرسال الدفعة الثانية من هذه الطائرات بعد.
أضافت المصادر نفسها أن هذه الطائرات الخفيفة مثالية للوضع السوري، حيث يستخدم النظام سلاح الطيران لقصف المدن وتجمعات المعارضة التي تفتقد للمضادات الجوية تشل حركتها، فهذه الطائرات من دون فائدة بوجود مضادات جوية أو طيران حربي هجومي، وبنفس الوقت هي بديل رخيص الثمن بالمقارنة مع الطائرات الحربية المتطورة كطائرات "ميغ".
&
&