إيلاف من الرياض:&يكتسي الحديث مع قامة سعودية رفيعة كسلطان البازعي بنكهة فنية خاصة، إذ هو الذي يحمل لواء الفن في مجتمع له خصوصيته في هذا الشأن، إذ يتنازعه رأيان، الاباحة والتحريم.

والبازعي لا يتكلم في الفنون من عدم، فهو مستشار إعلامي، ورئيس الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ورئيس الجمعية العربية للمسولية الإجتماعية& .نال البازعي بكالوريوس في الصحافة من جامعة الملك سعود في عام 1979.

بدأ حياته المهنية مراسلًا صحافيًا، ثم مديرًا لتحرير "الرياض"، قبل أن ينتقل للعمل مع الملحق الثقافي السعودي في باريس. ثم صار سكرتيرًا للجنة العلاقات الثقافية الدولية بمكتب وزير التعليم العالي، كما عُيّن رئيسًا لتحرير "اليوم" السعودية في الدمام بين عامي 1993 و1997، قبل أن يعود إلى العمل الحكومي في وزارة التعليم العالي، ثم في رئاسة الحرس الوطني مديرًا عامًا للعلاقات العامة والمراسم، ومسؤولًا إعلاميًا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة.
&
عمل مستشارًا للهيئة العامة للاستثمار، وساهم في تنظيم علاقتها بوسائل الإعلام المحلية والاقليمية والدولية. كما كان مستشارًا إعلاميًا لمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، مشرفًا على خطة المركز الإعلامية في الدورتين الثانية والثالثة للحوار الوطني في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
&
في عام 2005، فاز البازعي بجائزة "رجل العلاقات العامة لعام 2005" من مجلة أرابيان بزنس.
&
التقته "إيلاف" في حديث شيّق، فأكد لها مواكبة الجمعية لرؤية السعودية 2030 من الناحية الفنية، والقرار بالتفلت من قيود البيروقراطية، والاستمرار في تعليم الموسيقى الذي ما توقف طوال أربعة عقود. كما تنبأ بعودة دور السينما إلى السعودية قريبًا.

في ما يأتي نص الحوار كاملًا:

باعتبارك رئيسًا للجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون، ما وجهة نظركم في الفن؟ أهو ضرورة أم مجرد ترفيه؟

الفن جزء أساس من ثقافات الشعوب، ووسيلة تعبير عن المشاعر، والمحفز الرئيس على الإبداع. لذلك كان الفن في تاريخ الإنسانية جزءًا أساسياً من النمو الحضاري للإنسان. فالإنسان ينمو، وينمو معه هذا الجزء الإبداعي. والفن من ضرورات الصحة النفسية للبشر، لذا تلاحظ أن جميع الشعوب كانت لديها ممارسات فنية بشكل ما، سواء على شكل أهازيج تطورت إلى موسيقى في العصور الحديثة، أو من خلال الرسم على الكهوف والحجارة لدى الإنسان البدائي التي كانت أول أشكال اللغة المكتوبة، ومن ثم الفن التشكيلي.&

تطورت الفنون بأشكال عديدة، منها اللغوي والصوتي، ويتمثل في الشعر والنثر الأدبي المكتوب أو الملقى من خلال الخطابة البليغة، ومن خلال تطور المسرح عبر العصور كشكل من أشكال الفنون الأدائية، ومن خلال وجود الفنون البصرية المختلفة الجديدة كالتصوير الفوتوغرافي أو السينما، كانت هذه كلها من أشكال التعبير التي يناقش من خلالها الإنسان قضاياه ويناقش أفكاره ويطرح رؤاه ويحاول التأثير على الآخرين، أو أنه يكتفي بصوغ الجمال.

واكبنا رؤية 2030

واكبت رؤية 2030 أكثر من اتجاه. بالنسبة إلى الاتجاه الفني والثقافي، ما رؤيتكم وخططكم؟

لعلي أزعم أن جمعية الثقافة والفنون من أولى الجهات التي خطت خطوات فعلية لبناء خططها القادمة بناءً على رؤية 2030. أعلنا في مؤتمر صحفي شامل عن خطة الجمعية التي توافق رؤية المملكة 2030 من جانب رئيس، هو الحرص على الوصول إلى قطاع أعرض من المستفيدين، وتعهدنا بالوصول إلى مليوني شاب وشابة في السنوات الثلاث القادمة، وهذا يعني أن نغير أسلوب العمل تمامًا، لنصل إلى المستفيدين في جميع مناطق المملكة بما يتجاوز الوجود المكاني لفروعنا الـ 16 المنتشرة في المملكة. ونطمح إلى أن نصل إلى جميع محافظات المملكة من خلال شبكة من الممثلين ومنظمي الفعاليات المعتمدين.

بدأت الجمعية عملها في عام 1973، لكن نرى دورها في المجتمع أقل من المستوى المطلوب. فإلى الآن، لم يشعر المجتمع السعودي بأهميتها الحقيقية. لماذا؟

هذا اتهام ربما يحمل كثيرًا من الصواب، لكن ذلك مردود إلى أن الجمعية كانت لفترات طويلة أسيرة القرارات البيروقراطية، ولم تتصرف من منطلق أنها مؤسسة مجتمع مدني. أعتقد أن عوامل عديدة أثرت في أسلوب عمل الجمعية، لذا غيّرت الخطة الجديدة لعمل الجمعية أسلوب العمل. الآن وللمرة الاولى&في المملكة، عندنا رؤية حكومية واضحة تجاه ماذا نريد من الفن والثقافة، والرؤية كانت واضحة بضرورة وجود نشاط ثقافي وترفيهي وتحقيق ما أسمته الرؤية جودة الحياة. وتحدثت أيضًا بتوسع عن ضرورة فتح المجال للمبدعين لتقديم ابداعاتهم للجمهور بشكل مباشر، وضرورة وجود آليات تمويل لمثل هذه الأنشطة.

نعتقد أن الجمعية قابلة لتواكب هذه الرؤية من خلال البنية التحتية للجمعية بتواجد 16 فرعاً لها في أنحاء المملكة، ما سيساعدها من دون شك على تجاوز ظروفها السابقة، والتحدث بلغة العصر، والوصول إلى أفراد المجتمع كلهم، خصوصًا فئة الشباب التي تشكل النسبة الأكبر من السكان.&

شاهد على نجاحنا

من أهم أهداف انشاء جمعية الثقافة والفنون الارتقاء بمستوى الثقافة والفنون في المملكة. هل نجحت الجمعية في ترسيخ هذا الهدف؟

برأيي نجحت إلى حد كبير، لأنها كانت طوال أربعين عامًا الماضية المؤسسة الوحيدة التي تعنى بالفن في المملكة، وهذا شكل ضغطًا كبيرًا عليها في محاولة سد الثغرة الموجودة وأداء واجباتها. الشاهد على درجة النجاح التي حققتها أن كثيرًا ممن نعتبرهم نجومًا في المستوى الفني وقادة في المشهد الثقافي والفني مروا في مرحلة ما عبر الجمعية، وهذا مصدر فخر للجمعية. فيما قدمت من دورات ومناخ وأرضية لممارسة العمل، حقق هؤلاء ذواتهم، ثم طوروا امكاناتهم إلى أن وصلوا إلى النجومية. هذا تشاهده في مجالات الموسيقى والدراما والفنون التشكيلية.

هل من تعاون بين جمعية الثقافة والفنون الهيئة العامة للترفيه المشكلة حديثًا؟

لم تبدأ هيئة الترفيه مهامها بعد، ولا هيئة الثقافة. الجمعية مستعدة للعمل مع الهيئتين، وهناك مجال واسع للعمل معهما. الصيغة التي وضعنا بها خطة جمعية الثقافة والفنون تجعلها قابلة للتعاون مع الجهتين، ومع أي مؤسسة حكومية، ومع مؤسسات القطاع الخاص.

مباح وحرام

حدث جدل كبير حول رأي الشيخ صالح المغامسي في الموسيقى، إذ قال: "لا أرى أن الموسيقى على إطلاقها حرام". ما دور جمعية الثقافة والفنون في الجدلية الدائمة بين رجال الدين ورجال الفن؟

لا شك في أن جمعية الثقافة والفنون ليست جهة فقهية، لكننا كمسلمين نعرف أن حكم الموسيقى مختلف عليه بين فقهاء الإسلام منذ بداية العصر الإسلامي، وهي أقرب إلى أن تكون مباحة، والمؤكد أنها مثل أشياء وأحكام كثيرة، المباح منها مباح والحرام منها حرام. أعتقد أن الشيخ صالح المغامسي في طرحه هذا الرأي كان شجاعًا، إذ أوضح أن الإسلام بيّن المحرمات بلغة لا ينقصها الوضوح. الجمعية تمارس عملها كما رخص لها من بداية عملها، ومن ضمن الترخيص الاهتمام بالفنون كلها، بما فيها الموسيقى.

قبل يومين، وافق وزير الثقافة على إنشاء «فرقة وطنية للموسيقى السعودية»، وقبل فترة أقيمت دورة المقامات الموسيقية في الجمعية، هل هذه بداية لتبني تعليم الموسيقى؟

تعليم الموسيقى لم ينقطع طوال 40 عامًا، أي منذ انشاء الجمعية. فدائمًا هناك دورات، لكن دورة تعليم المقامات الموسيقية صاحبها جدل كبير. لقيت حظها من الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب معارضيها، وبعد هذه المعارضة زاد الضغط علينا كما زادت المطالبات بإقامة دورات موسيقية مماثلة. وبالنسبة إلى تدريب الفتيات الذي أثير على مواقع التواصل الاجتماعي، لم نبدأ بعد بسبب مشكلة لوجستية وهي توفير مدربات قادرات على تقديم مثل هذه الدورات، ومكان مناسب لتقديم هذه الدورات. ربما يتم ذلك في المستقبل.

السينما آتية

ذكرت في مهرجان الأفلام السعودية في الدمام أن دور السينما محظورة لكن صناعتها مسموحة، وأن قرار السماح بصالات السينما قريب. هل هذه معلومة أكيدة أو تنبؤ؟

ليست معلومة، لكني أقول إنها قريبة لأن السينما عنصر من العناصر الأساس في مؤسسة مثل هيئة الترفيه. أعتقد أن الترخيص لصالات السينما ليس بعيدًا. كما تعرف، كانت دور السينما موجودة في السعودية قبل عشرات السنين قبل حظرها، لذلك عودتها تحتاج إلى قرار فحسب. الأصل في القضية وجود المكان الذي يذهب الناس إليه لمشاهدة الفيلم السينمائي، وعدا ذلك فإن العروض السينمائية بأحدث ما تنتجه شركات الإنتاج في العالم محل حضور ومتوافر للفرد السعودي من خلال القنوات الفضائية أو الإنترنت والأجهزة الذكية، لذلك أرى أن ليس من العقل منع هذه الوسيلة الترفيهية التي من خلالها يمكن أن نقدم اللائق والملائم بدلًا من ترك المجتمع السعودي في مهب البث الفضائي أو ندفعه إلى دول الجوار لمشاهدة فيلم سينمائي.

رأينا قبل عام برنامج "بعيون سعودية" في mbc، ولاقى نجاحًا كبيرًا. لماذا لا نشاهد مثل هذه الأعمال بدعم وتبنٍ من الجمعية؟

هناك مهرجان سنوي لعرض الأفلام السعودية في الدمام، يقام للسنة الثانية على التوالي، قُدمت فيه أفلام من جميع أنحاء المملكة، سواء لمخرجين أو مخرجات. قاربت عدد الأفلام 70 فيلمًا. شجع المهرجان، والجوائز التي قدمت للعديد من الفنانين والمخرجين، على تنظيم مشروعات فنية أخرى لهؤلاء الفنانين، وربما نلجأ مستقبلًا لإنشاء مهرجانات لأفلام تخصصية، كمهرجان سينما الأطفال، أو للسينما التسجيلية، هذا إضافة إلى البرنامج الوطني لصناعة الفيلم، الذي بدأ في عام 2015، ويتضمن دورات تدريبية لصناعة الفيلم أقيمت في عدد من الفروع في أنحاء المملكة، وتجهيز قاعات عرض في عدد من الفروع لاستمرار عرض التجارب السينمائية المختلفة على المهتمين، وقبل كل ذلك شكرًا لـ mbc وكذا للقناة الثقافية السعودية لتبني مثل هذه البرامج لكن برنامجها كان لاحقًا&لنجاح الدورة الثانية من مهرجان الأفلام السعودية المقام في الدمام.

صرح الموسيقار الكبير عمر خيرت برغبته في إقامة حفل في السعودية، هل يمكن أن تتبنى جمعية الفنون مثل هذه المناسبات؟

من باب أولى أن تتبنى الجمعية اقامة مثل هذه الحفلات لفنانين سعوديين، خصوصًا أن حفلات الفنانين السعوديين هي الأكثر حضورًا في السعودية وفي الدول المجاورة، ولا ما يمنع استضافة العديد من الفنانين والموسيقيين الجادين من المنطقة العربية ومن العالم.&

كلفة المسرح عالية

المسرح السعودي شبه ميت. أين الجمعية من ذلك؟

النشاط المسرحي موجود في جميع فروع الجمعية، لكن بسبب أن الجمعية لا تقدم كثيرًا أعمالًا اجتماعية بسبب كلفة انتاجها المرتفعة، قام بعض الجهات ومنها أمانة الرياض بتبني إقامة هذه الأعمال. وعلى الرغم من أن الجمعية لم تكن طرفًا في الإنتاج، فإننا رحبنا به واعتبرناه رافدًا مهمًا لتنشيط الحراك المسرحي. لكن، ما يقدم عن طريق الجمعية من المسرحيات هو غالبًا في المسرح التجريبي الذي لا يكون بالضرورة جاذبًا للجمهور، والهدف منه في الدرجة الأولى تدريب المواهب على الوقوف على خشبة المسرح وإنتاج الأعمال المسرحية، لكن النية قائمة لإنتاج أعمال مسرحية اجتماعية على أسس استثمارية وبجودة عالية، مع تطوير أدوات التمويل عند الجمعية. وهذا لن يكون مسؤولية الجمعية وحدها، ولكن ننتظر من هيئة الثقافة القيام بدورها في هذا الخصوص وذلك بتنشيط جمعية المسرحيين السعوديين، وتبني إقامة دور عرض مسرحي احترافية، والترخيص لفرق مسرحية ومحترفة، وربما إنشاء المسرح الوطني وفرقة مسرحية وطنية تتبع للهيئة.

ذكرت في إحدى مقابلاتك ضرورة دراسة المسرح مع العديد من الفنون، وأسفت لإقفال قسم المسرح في جامعة الملك سعود، لم لا يكون للجمعية دور في المطالبة بتدريس المسرح والدراما وغيرهما؟

سبب اقفال شعبة المسرح في سابق السنوات عدم وجود تصنيف في الوظائف الحكومية يتلاءم مع المهن المسرحية. لكنني سمعت خبرًا مفرحًا، وهو إعادة الدراسة في شعبة المسرح من جديد. تخيل لو أعادت وزارة التعليم الاهتمام بالمسرح المدرسي من جديد، فسنحتاج فورًا إلى أكثر من 50 ألف مشرف مسرحي لتغطية مدارس المملكة، ولن تكفي شعبة واحدة في جامعة الملك سعود. أتمنى أن يعود الاهتمام بدراسة المسرح. نتفاءل برؤية 2030 وما ستحدثه من حراك، وربما نجد قريبًا في تصنيف الوظائف في القطاعين العام والخاص ما يعترف بالمهن الضرورية لقيام صناعتين مسرحية وسينمائية في السعودية.

يثير&النقاد السينمائيون أزمة النص والبناء الدرامي في الفيلم السعودي، وفي العمل الفني عمومًا. فلم لا نرى دورات مستمرة تحت اشراف كتاب ومخرجين محترفين لتعليم هذا الفن؟

هناك دورات تقدمها الجمعية. لكنها غير منتظمة وتقام بحسب الظروف. نحتاج إلى أكاديميات للفنون تقدم دراسات منهجية ومطورة ومستمرة.

جهد أدبي

في الرياض منتديات ثقافية كمنتدى حمد الجاسر، وأحدية راشد المبارك، وثلوثية المشوح، وديوانية الدغيلبي. وفي أرجاء المملكة كثير من المنتديات الشهيرة تقام بمجهود شخصي. لم لا تبذل الجمعية جهدًا مماثلًا في استضافة كتّاب أو روائيين بشكل دوري؟

تحتضن الجمعية مجموعات ثقافية يجتمع فيها بعض المثقفين. ربما تحتاج إلى الدعاية أكثر، لكن طبيعة الصالونات الأدبية تبقى، على أهميتها، محدودة الانتشار. لكن، هي جهد يشكر أصحابها عليه. الجمعية بفروعها ترحب بمثل هذه الملتقيات والمجموعات الثقافية.

هل ترد معظم مشكلات الجمعية وتأخرها إلى السبب المادي؟

في جزء كبير منه صحيح، لكنّ هناك جانبًا اداريًا بيروقراطيًا يساهم في التأخير، وهو ما سعينا إلى معالجته في خطتنا الجديدة.

كلمة أخيرة لـ"إيلاف" بعد مرور 15 عامًا على تأسيسها؟

أتمنى لها التوفيق، فهي رائدة الصحف العربية الإلكترونية، ملهمة الكثيرين في دخول الفضاء الإلكتروني. وهذا يُحسب لصديقنا الكبير عثمان العمير، صاحب الريادة في هذه الفكرة. أحييه وأحيي أسرة "إيلاف".