بودابست: أدت أزمة الهجرة التي تهز أوروبا إلى تصاعد التنظيمات اليمينية المتطرفة والشعبوية، مثلما حصل في المجر حيث ينظم رئيس الوزراء فيكتور اوربان الاحد استفتاء سعيا لتثبيت رفضه استقبال لاجئين استجابة لطلب الاتحاد الأوروبي.
في ما يلي عرض للتشكيلات القومية الشعبوية أو اليمينية المتطرفة الرئيسة في اوروبا، وقد حقق العديد منها انتصارات انتخابية.
تنظيمات في صعود
- المانيا: قبل عام من الانتخابات التشريعية، تكبد الاتحاد المسيحي الديمقراطي بزعامة المستشارة أنغيلا ميركل في 19 سبتمبر نكسة جديدة في برلين في مواجهة حركة "البديل لألمانيا" المعارضة للهجرة وللاسلام، التي تشكلت عام 2013 ودخلت البرلمان المحلي بفوزها بـ14,2% من الأصوات مقابل 17,6% للاتحاد المسيحي الديمقراطي.
وبذلك ستكون حركة البديل لألمانيا التي كانت فازت قبل أسبوعين على الاتحاد المسيحي الديمقراطي في شمال شرق البلاد، حاضرة في عشرة برلمانات محلية من أصل 16 في ألمانيا. ومن المحتمل أن تدخل هذه الحركة التي تراهن على المخاوف الناجمة عن تدفق 1,1 مليون لاجئ إلى البلاد عام 2015، بعد عام إلى البرلمان الفدرالي، ما سيشكل سابقة لحزب من اليمين الشعبوي منذ الحرب العالمية الثانية.
- النمسا: كاد حزب الحرية، الأكثر حضورا بين أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا، يفوز في الانتخابات الرئاسية في 22 مايو، ما كان سيشكل سابقة في الاتحاد الأوروبي، مع خروج الحزبين الأكبرين الحاكمين منذ 1945 من الدورة الأولى. وحصل حزب الحرية على إلغاء الدورة الأولى بسبب عيب إجرائي، على أن تجري انتخابات جديدة في 4 ديسمبر.
- سلوفاكيا: دخل اليمين المتطرف إلى البرلمان في مارس بفوز حزب "بلدنا سلوفاكيا" المعارض للغجر والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي بـ14 مقعدا من أصل 150. ويعتبر زعيم هذا الحزب ماريان كوتليبا بنظر معارضيه من النازيين الجدد. وأعيد انتخاب رئيس حكومة وسط اليسار روبرت فيكو بفضل خطابه المعادي للهجرة.
تنظيمات في الحكومة
- المجر: ينظم رئيس الوزراء فيكتور اوربان رئيس حزب "فيديس" القومي المحافظ، والحاكم منذ 2010، الاستفتاء المثير للجدل الرامي إلى ترسيخ رفضه إعادة توزيع المهاجرين في أوروبا، وقد عمد منذ صيف 2015 إلى نصب أسيجة على الحدود مع صربيا وكرواتيا. ويستفيد من خطابه حزب "يوبيك" اليميني المتطرف بزعامة غابور فونا، وهو حزب معاد للسامية والأجانب ومشكك في الاتحاد الأوروبي، يطمح إلى التفوق على "فيديس" في الانتخابات التشريعية عام 2018.
- بولندا: عاد حزب "الحق والعدالة" المحافظ والمشكك في الاتحاد الأوروبي إلى السلطة في نهاية 2015. وحذر رئيسه ياروسلاف كاتشينسكي من المهاجرين الذين وصفهم بـ"الطفيليين".وتعارض الحكومة منذ يوليو المفوضية الأوروبية حول موضوع استقلال السلطة القضائية.
- فنلندا: يشارك حزب "الفنلنديون الحقيقيون" المعادي للهجرة والمشكك في الاتحاد الأوروبي في الحكومة الائتلافية بعد فوزه بـ17,65% في الانتخابات التشريعية التي جرت في أبريل 2015 (38 نائبا من أصل 200). وأقر رئيسه وزير الخارجية تيمو سويني في نهاية 2015 بأن حزبه يعاني من أزمة المهاجرين وهو في السلطة.
- النروج: وصل حزب "التقدم" لأول مرة منذ إنشائه قبل أربعين عاما، إلى الحكومة في &أكتوبر 2013 ضمن ائتلاف يهيمن عليه المحافظون، على الرغم من تسجيله تراجعا انتخابيا (16,3% مقابلا 22,9% قبل أربع سنوات). وفي ديسمبر 2015، تولت مسؤولة فيه هي سيلفي ليستوغ وزارة الهجرة والاندماج التي تم استحداثها.
- الدنمارك: يعتبر الحزب الشعبي الدنماركي شريكا لا يمكن الالتفاف عليه للحكومات الليبرالية في هذا البلد. وفاز الحزب المعادي للهجرة بـ21,1% من الأصوات في الانتخابات التشريعية عام 2015 (37 نائبا) وهو الذي طرح إجراء دخل حيز التنفيذ في مطلع فبراير، يقضي بمصادرة ممتلكات المهاجرين القيمة لتمويل استقبالهم.
بريكست وتبعاته
- بريطانيا: يشكل خيار البريطانيين التاريخي في 23 يونيو بالخروج من الاتحاد الأوروبي، التجسيد الأكثر جلاء لنجاح الحركات الشعبوية. وتطمح ديان جيمس الرئيسة الجديدة لحزب يوكيب المعادي للهجرة والمشكك في الاتحاد الأوروبي، لجعل حزبها قوة المعارضة الرئيسة بدل حزب العمال.
- فرنسا: يحقق حزب الجبهة الوطنية (يمين متطرف) انتصارات انتخابية متتالية منذ 2012. وتشبه رئيسته مارين لوبن تدفق المهاجرين بـ"اجتياح". وتتوقع جميع استطلاعات الرأي انتقال لوبن المطالبة بتنظيم استفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي، إلى الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2017.
- هولندا: بقي حزب الحرية اليميني المتطرف (12 نائبا) الذي أنشئ عام 2006، لفترة طويلة في مقدم استطلاعات الرأي للانتخابات التشريعية المقررة في مارس 2017 قبل أن يتراجع مع اقتراب الموعد الانتخابي. وافتتح حملته بتأكيد عزمه على حظر المساجد والمصاحف. كما يعتزم رئيسه غيرت فيلدرز تنظيم استفتاء حول الخروج من الاتحاد الأوروبي.
مسلمو المجر مستاؤون
"ما الذي يحدث لنا" تسأل مايا المجرية التي اعتنقت الاسلام وتقول انها لم تكن تتخيل ان تسمع احدا يقول لها "عودي الى الصحراء".
لكن كل شيء تغير مع حملة الحكومة المجرية قبل استفتاء الاحد حول قرار توزيع المهاجرين واللاجئين في الاتحاد الاوروبي.
وتقول مايا البالغة من العمر 33 عاما والتي تعيش في ضواحي بودابست انها تشعر بنظرات التوبيخ عندما ترتدي الحجاب. وتضيف "لا يمكنهم ان يقولوا اني مهاجرة او ارهابية فيسمونني سورية للتقليل من شأني".
وتضيف الشابة التي قالت إنها تعرضت حتى للتهجم عليها ان "المجريين معروفون بضيافتهم. لا اعرف ما الذي يحدث لنا".
علقت في اطار الحملة الحكومية لرفض القبول بقرار تقاسم اعباء الهجرة الذي تبنته دول الاتحاد الاوروبي لافتات تربط بين المهاجرين و"الارهاب"، وتعتبرهم تهديدا ثقافيا.
وتولي الحكومة اهمية كبيرة للاستفتاء الذي كان رئيس الوزراء المحافظ فيكتور اوربان وراءه ولكن الامور بدأت حتى قبل موجة الهجرة الكثيفة الى الاتحاد الاوروبي عبر طرح فرضية المخاطر التي يمثلها المهاجرون.
ويقول زولتان بوليك ممثل اكبر جمعية مسلمة في المجر ان "هذا المناخ سمم النفوس من خلال وسائل الاعلام الحكومية التي تسلط الضوء على ابسط حادث يكون لمسلم دور فيه في اي مكان في اوروبا".
ويضيف ان مسلمي المجر يتعرضون للتهديد "بشكل يومي" وان ذلك يصل احيانا الى التهجم عليهم وانه كتب الى رئيس الوزراء مطالبا بحمايتهم.
يقدر رئيس جمعية مسلمة اخرى هو زولتان سولوك عدد مسلمي المجر بنحو 40 الفا في بلد يعد عشرة ملايين نسمة اعتنق الالاف منهم الاسلام.
ويضيف الرجل البالغ من العمر 46 عاما "لم نكن يوما موضوعا سياسيا، ولكننا بتنا كذلك اليوم"، معربا عن "استيائه من الخطاب السائد".
دعاية هائلة
ولكن المهندس المدني باسل حرارة الذي حصل قبل فترة قصيرة على وضع اللجوء يقول انه يريد ان يبني مستقبله في المجر حيث يعمل في مصنع خارج العاصمة.
ويضيف "لم اشعر بالعداء (...) الناس في الريف معشرهم سهل، اذا كنت لطيفا معهم عاملوك بالمثل".
استفاد المهندس الثلاثيني من برنامج تدريبي للاجئين في جامعة اوروبا الوسطى وهي جامعة اميركية خاصة في بودابست يمولها الملياردير من اصل مجري جورج سوروس.
ولا يتضمن برنامج "اوليف" (المبادرة التعليمية المفتوحة) الذي يشارك فيه نحو خمسين طالبا محاضرات سياسية وانما دروسا في اللغة الانكليزية والتاريخ والاقتصاد والمعلوماتية.
وقال رئيس الجامعة مايكل اغناتييف للملتحقين الجدد "كان جدي لاجئا. هرب من روسيا الى كندا وها انا امامكم اليوم لانه عمل كثيرا لصعود السلم الاجتماعي. انتم ايضا يمكنكم ان تفعلوا ذلك".
ويقول فيليب الايراني البالغ من العمر 32 عاما والذي وصل الى المجر في مارس 2015، "الجميع مستعد لمساعدتنا" داخل الحرم الجامعي.
ولكن الامر مختلف في الخارج اذ يعرض فيليب على هاتفه المحمول صورة لملصق في الشارع كتب عليه "ايها المهاجرون ارحلوا". ويضيف انه بروتستانتي وتعرض للاضطهاد في ايران.
ويقول فيليب ان "غالبية الناس يتأثرون بالدعاية الحكومية المعادية للمهاجرين".
ولكن حجج رئيس الوزراء فيكتور اوربان تلقى صدى لدى بعض المهاجرين مثل ماهر زكي السوري المقيم منذ 25 عاما في المجر والذي يقول "بالطبع هناك دعاية كبيرة ضدنا ولكن اذا اراد الناس المجيء والعيش في المجر من الطبيعي ان نعرف من يكونون".
تطوع ماهر الاربعيني لمساعدة اللاجئين في عز ازمة 2015 عندما عبر عشرات الآلاف من طالبي اللجوء بودابست باتجاه غرب اوروبا. ويذكر صدمته ازاء ظروف استقبالهم المزرية، لكنه يؤكد ان "اوربان كان الوحيد الذي حمى شعبه، الوحيد في اوروبا الذي اغلق حدوده. اليوم الكل يفعل مثله".
ومن اصل 174 الف طلب في 2015، منحت المجر اللجوء الى 500 شخص.
التعليقات