ناقشت صحف عربية إعلان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو عزم روسيا تسليم منظومة دفاع جوي متقدمة (إس 300) إلى سوريا خلال أسبوعين.
وجاء الإعلان بعد أسبوع من إسقاط طائرة حربية روسية فوق البحر المتوسط بطريق الخطأ أثناء هجوم جوي إسرائيلي في سوريا.
ورأى معلقون أن القرار الروسي يشير إلى تغير معادلات الاشتباك بشكل جذري وإلى أن الموازين الميدانية "ستنقلب رأساً على عقب".
"درس قاس"
وسيطر الإعلان على عدد كبير من الافتتاحيات ومقالات الرأي في الجرائد السورية، حيث يقول شوكت أبو فخر في "تشرين" إن "العدوان الإسرائيلي الأخير والتسبب في استشهاد الجنود الروس شكلا درساً قاسياً أعلنت على إثره موسكو تزويد وحدات الدفاع الجوي السورية بمنظومة (إس 300) للحيلولة من دون تكرار حوادث مشابهة لما فعلته إسرائيل".
ويضيف الكاتب أن "وصول (إس 300) إلى سوريا وسط التطورات العسكرية الأخيرة على الساحة الميدانية السورية يشير إلى تغير معادلات الاشتباك بشكل جذري، وإلى أن الموازين الميدانية ستنقلب رأساً على عقب خلال المرحلة المقبلة، كما ستشكل هذه الخطوة المهمة والمنتظرة حدثاً مفصلياً في المواجهة العسكرية بين سوريا وحلفائها من جهة وبين الدول الغربية وأذرعها الإرهابية من جهة أخرى".
ويقول عـلي قـاسـم في "الثورة": "منذ لحظة إسقاط الطائرة الروسية التي تتحمل إسرائيل كامل مسؤوليتها، بدت المضاعفات المتسارعة أشبه بكرة ثلج تتدحرج، بدءاً من الرواية التي حاولت إسرائيل من خلالها أن تتهرب من تلك المسؤولية، وصولاً إلى الجزم الروسي بإحداثيات ما جرى وفق بيانات موثوق بها ومنظمة، بينما كانت القراءات السياسية تتباين في حدود المشهد التقليدي الذي اعتاد في نهاية المطاف أن يوصل الأمور إلى أروقة الدبلوماسية وهي تخوض في تفاصيلها المعتادة".
ويرى الكاتب أن "المفاضلة اليوم بين الدبلوماسية الساخنة ودبلوماسية المواجهة، تأخذ بعين الاعتبار الشروط الموضوعية للمقاربات السياسية الموازية، ولكنها تمارس حضورها على المستويات الأساسية في عموم المشهد الإقليمي، والقرار بتحديث منظومة الدفاع السورية ليس أكثر من جبل الجليد الذي يخفي خلفه ما يؤشر إلى أن هذا الإجراء كان مسبوقاً بحشد من الخطوات المتوازنة والمتقنة التي تعيد ترتيب قواعد الاشتباك الإقليمي على أسس جديدة ومعايير لا تشبه تلك التي كانت قائمة في شيء، وتعيد معها رسماً عملياً لتلك القواعد عالمياً، بحيث تكون جميعها منضبطة على الإيقاع الروسي وفي التوقيت الروسي".
"أصوات الألَم والنَّدَم"
ويرى عبد الباري عطوان في "رأي اليوم" اللندنية "أنه لا ليبرمان، ولا رئيسه نتنياهو، قادِرَان على الدُّخول في مُواجهةٍ مع روسيا، والزَّمَن الذي كانَت تَخترِق فيه الطَّائرات الإسرائيليّة الأجواءَ السُّوريّة وتَضْرِب أهدافًا في العُمُق السوريّ، وتَعود سالِمَةً قَد وَلَّى، أو هكذا نَعتقِد، فالرئيس الروسي لا يَكْذِب، ويَقول ويَفْعَل، وطَفَحَ كيله مِن الكَذِب وأساليب الخِداع والغَطرسة الإسرائيليّة، وأن تأتِي هَذهِ القَناعة مُتأخِّرَةً خَيْر مِن أن لا تَأتِي أبَدًا".
ويضيف الكاتب: "أي مُصالحة روسيّة إسرائيليّة سَتكون غالِيَة الثَّمن بالنِّسبةِ لتَل أبيب، وأمامنا الدَّرس التُّركيّ بكُل تفاصيله، فإسقاط الطَّائِرات الروسيّة ليسَ مُهِمَّةً سَهْلةً مأمونة العَواقِب، يُمكِن تطويقها بتَبويسِ اللِّحى واعتذارٍ شَكْلِيٍّ، فروسيا يَحكُمها اليوم رئيس مُختلِف خريج الـ"كي جي بي" يُريد إعادَة عَظَمتها ... نَسْتَشعِر عَن بُعد تَنَهُّدات الارتياح في دِمَشق، مِثلَما نَسْتَشعِر أصوات الألَم والنَّدَم في تَل أبيب".
أما طوني فرنسيس فيقول في "الحياة" اللندنية إن "إسرائيل ستشعر أنها أمام تحد جديد لم تعهده من قبل، على رغم أن الشروح الروسية لطبيعة العلاقة معها، فيها الكثير من التأكيد على التعاون الذي قاد إلى إبعاد الإيرانيين 140 كلم عن الجولان، وهذه هي المرة الأولى تعلن فيها وزارة الدفاع الروسية عن هذه المسافة التي تضمنتها ترتيبات الجنوب السوري، وفيها أيضاً الكثير من (اللمسات الإنسانية)، إذ تحدثت الوزارة عن تخصيص مجموعات تتعاون مع القيادة السورية في البحث عن بقايا إسرائيليين مدفونين في سوريا".
ويكمل الكاتب: "سيتغير شيء ما في العلاقات بين إسرائيل وروسيا لكن ليس في اتجاه الانقلاب على ما تم نسجه حتى الآن. والاضطراب الذي تعبر عنه الصحافة العبرية إشارة إلى أن ما بعد حادثة الطائرة سيكون غير ما قبله".
وكتب أحمد جميل عزم في "الغد" الأردنية قائلا إنه "يمكن تصور مخطط روسي لاستغلال الحدث الأخير، للقيام بإقناع الإيرانيين بالتموضع في نقطة معينة، مقابل توفير قوة ردع جوية أكبر للجيش السوري، وجعل الإسرائيليين يوافقون على هذا الوجود، وعلى ترتيب إجراءات لمنع الصدام بين الطرفين".
ويضيف الكاتب أن "حادث الطائرة كما يبدو يصب في ترتيب الأوضاع في سوريا وفق التصور الروسي للتعايش بين الوجود الإيراني والمطالب الإٍسرائيلية بخطوط حمراء واضحة في سورية، على غرار ما كان موجودا طوال عشرات السنوات مع النظام السوري، في سوريا ولبنان".
التعليقات