شكل رفض عدد كبير من أعضاء البرلمان التونسي تمديد مهمة "هيئة الحقيقة والكرامة" المكلفة "كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان" بين 1955 و2013 ومحاسبة المسؤولين عنها ضربة قوية إلى العدالة الانتقالية الناشئة بعد الانتقال الديموقراطي في البلاد.

إيلاف من تونس: صوّت نواب حزب "نداء تونس" الحاكم وحلفاؤه في ساعة متأخرة الاثنين ضد التمديد لعمل هيئة الحقيقة والكرامة، معتبرين أن مهمتي الهيئة ورئيستها سهام بن سدرين "منتهيتا الصلاحية". جاء التصويت إثر جلستين شهدتا توترًا السبت والاثنين، وصل إلى حد التشابك بالأيدي بين النواب.

انعدام ثقة
وصوّت 68 نائبًا برفض التمديد، وتحفظ اثنان، من مجموع 217 نائبًا، بينما غادر عدد من النواب الداعمين للهيئة البرلمان في نهاية الجلسة لعرقلة التصويت.

يظهر التصويت انعدام الثقة في الهيئة المكلفة "كشف حقيقة انتهاكات حقوق الإنسان" الحاصلة منذ الأول من يوليو 1955، أي بعد نحو شهر على حصول تونس على الحكم الذاتي من الاستعمار الفرنسي، وحتى 31 ديسمبر 2013. وتشمل هذه المرحلة فترات حكم الرئيس التونسي الأول الحبيب بورقيبة والرئيس زين العابدين بن علي، وكذلك بعض الحكومات بعد ثورة 2011 التي أطاحت بن علي.

يقول الباحث إيريك غوب "عرفت الحكومة منذ 2014 عودة مهمة لرموز النظام السابق، ويظهر أن عددًا منهم لم يقبل" عمل هيئة الحقيقة والكرامة.

جلسات استماع علانية
تم تشكيل هيئة الحقيقة والكرامة في مايو 2014 بعد سنتين من الجدل السياسي بمشاركة واسعة من النخب والكفاءات المتخصصة في مجال حقوق الإنسان والتعذيب وفي ملفات الفساد.

منذ ذلك الحين، رفضت مؤسسات، كوزارة الداخلية، التعاون في مسار المصالحة، الذي يخوّل تحديد الضحايا وتعويضهم لتجنب حصول عمليات ثأر أو انتقام.

وواجهت "هيئة الحقيقة والكرامة" مشاكل داخلية شملت التصرف الإداري وتناولها الإعلام في عناوينه، غير أنها بقيت متحفظة على عملها.

ونظمت الهيئة، التي تلقت 62 ألف ملف، جلسات استماع علانية في تونس، خاصة بشهود على الفساد خلال نظام بن علي وضحايا تعذيب فترة حكم بورقيبة وبمحتجين تم قمعهم في ما عرف بـ"أحداث الرش" في 2012.

انقسام داخلي
لم تتمكن الهيئة من تمرير سوى عدد من الملفات إلى المحاكم المتخصصة في مارس، ولم تتخذ قرارات بعد في ما تبقى من الملفات.

وفيما رحبت شرائح من التونسيين بعملها، معتبرة أنه يمهد الطريق لـ"مصالحة" حقيقية، اعتبر آخرون أن الجلسات التي تعقدها تحيي روح الانتقام.

بين هؤلاء من رحّبوا بمصادقة البرلمان على قانون المصالحة الإدارية الذي أعفى الموظفين المتورطين في ملفات فساد من التبعات بالرغم من احتجاجات المجتمع المدني.

تضارب المصالح
ينتقد المناصرون للهيئة رئيس البرلمان محمد الناصر لكونه دعا النواب إلى التصويت دون اكتمال النصاب القانوني. وألمح العديد من النواب إلى ضلوع الناصر في ملفات تعالجها الهيئة عندما كان وزيرًا لدى بورقيبة ودبلوماسيًا مع بن علي، غير أنه نفى كل الاتهامات. ويؤكد منتقدو الهيئة أنهم ليسوا ضد العدالة الانتقالية، ولكن ضد هذه الهيئة بالتحديد.

ومن المقرر أن ينتهي عمل الهيئة في 31 مايو المقبل، لكن الهيئة مددت لنفسها حتى 31 ديسمبر المقبل، معللة السبب بغياب تعاون الدولة معها.

يحدد القانون الأساسي للهيئة مدة عملها بأربع سنوات يمكن تمديدها سنة واحدة، من دون أن يوضح ما إذا كان التمديد يفترض اقتصار البرلمان على أخذ العلم بالتمديد، أو المصادقة عليه.

ويرى الخبير في القانون الدستوري الصادق بلعيد أن أمام الهيئة حلين اثنين "إما الخضوع ( لقرار البرلمان) وإيقاف أعمالها أو التمرد".

يؤكد بلعيد أن دعوة رئيس المجلس النواب إلى التصويت كافية لاعتبار التصويت قانونيًا، متوقعًا أن "يكون هناك جدل، وهذا أقل ما يمكن، خلال الأيام المقبلة" حول الموضوع.