&باستثناء روسيا وتركيا، أوروبا الآن هي موطن نحو 26 مليون مسلم، يشكلون زهاء 5 في المئة من سكانها، وهم أكثر شبابًا من سكانها الأصليين، وقد تعاظم دورهم في السياسة الغربية.

نشرت مجلة إكونوميست تقريرًا خاصًا عن المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة واندماجهم تدريجًا بمجتمعاتهم الجديدة، قائلة إن مسلمي أميركا قطعوا شوطًا بعيدًا منذ وصول بعض أسلافهم إلى شواطئ أميركا، من غرب أفريقيا في القرن السادس عشر. وفي بلد مهاجرين مثل أميركا، وجد المسلمون أن من الأسهل التأقلم بالمقارنة مع أوروبا بسكانها الأعرق تاريخًا والأرسخ توطنًا.

الإسلام قديم في أوروبا

لاحظ التقرير أن علاقة أوروبا بالإسلام أقدم وأعمق وأكثر إشكالية، لافتًا إلى أن الإسلام دخل أوروبا بالسيف في أسبانيا إبان القرن الثامن، ومرة أخرى في جنوب شرق أوروبا في أوائل القرن الرابع عشر، في زمن العثمانيين. في القرن العشرين أيضًا، كان مسلمو أوروبا يختلفون عن مسلمي أميركا، إذ بقي مسلمون بعد رحيل العثمانيين واستُقدم المزيد منهم كجنود وعمال. وجندت القوى الأوروبية زهاء 3.5 ملايين&مسلم من مستعمراتها للقتال في حربين عالميتين، عادت أغلبيتهم إلى أوطانها، لكنّ مزيدًا منهم وصل إلى أوروبا لإعادة بناء ما دمره الأوربيون في حروبهم.

تابعت مجلة إكونوميست في تقريرها أن دول أوروبا الغربية جاءت في العقدين، اللذين أعقبا الحرب العاملية الثانية بمئات آلاف العمال. فبريطانيا استقدمت باكستانيين من جبال كشمير ومرتفعات بنغلادش، وفرنسا توجهت إلى مستعمراتها في شمال أفريقيا، وألمانيا استوردت عمالًا من جبال الأناضول التركية. وفي عهد أقرب، أسفر تدفق اللاجئين من العالم الإسلامي عن تغيير الديموغرافيا. ففي الفترة الواقعة بين عام 2014 و2016 وحدها، وصل إلى أوروبا زهاء مليون مهاجر أغلبيتهم من العرب.

يقدر التقرير أن أوروبا، باستثناء روسيا وتركيا، هي الآن موطن نحو 26 مليون مسلم يشكلون زهاء 5 في المئة من سكانها، وهم أكثر شبابًا من سكانها الأصليين. وفي العديد من البلدان الأوروبية، أصبح محمد الاسم الأكثر شعبية لإطلاقه على المواليد الجدد.

تعاظم دورهم

يُلاحظ التقرير أن المسلمين في الغرب ليسوا جماعة متجانسة، بل يختلفون في الشعائر الدينية والثقافة والإثنية. عمومًا، فإن موجة المسلمين الذين وصلوا إلى أوروبا في القرن العشرين، على اختلافهم، اتسمت بنجاح الكثير منهم في مجتمعاتهم الجديدة، بعد أن وفدوا إلى مدن صناعية، يشعر جيل ثالث من الألفيين المسلمين الآن بثقة اكبر، سواء بهويتهم الغربية أو الإسلامية.

تعاظم دور المسلمين في السياسة الغربية، حيث نوه تقرير إكونوميست بانتخاب أول مسلمتين لعضوية الكونغرس الأميركي في الانتخابات النصفية الأخيرة، هما رشيدة طليب وإلهان عمر. وانتخبت لندن، أكبر مدن أوروبا، عمدة مسلمًا هو صادق خان، في حين أن عمدة روتردام، أكبر موانئ أوروبا، مغربي هو أحمد أبو طالب. ويقوم المسلمون بدور متميز في مجالات الترفية والرياضة والأزياء في الغرب.

لكنّ العقدين الأخيرين اعتراهما عنف وخوف ايضًا. أشار تقرير إكونوميست إلى مقتل أكثر من 3670 شخصًا في هجمات "جهادية" في الغرب منذ عام 2000، مؤكدًا أن "الجهاديين" لا يشكلون إلا نسبة ضئيلة من المسلمين في الغرب، لكن هذه الهجمات أدخلت في روع الكثير من الغربيين أن الاسلام خطر يهدد حياتهم، واستغلت قوى اليمين المتطرف هذا الخوف لتأجيج العداء ضد المسلمين ودينهم.

مسلمون غربيون

كان مسلمو أميركا حتى الآونة الأخيرة يعتبرون أنفسهم متفوقين على أقرانهم في أوروبا. فهم أكثر انتماء إلى الطبقة الوسطى وأقوى اندماجًا بالمجتمع الأميركي وعلاقتهم أكثر تناغمًا مع بلدهم الجديد. لكن تضافر التدخلات الأميركية في الشرق الأوسط مع ردة الفعل عليها واستغلال "الجهاديين" لها وصعود نزعة قومية بيضاء في أميركا أخلت بهذا التناغم.

تقول إكونوميست إن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شجع العداء ضد المسلمين خلال حملته الانتخابية، متعهدًا بإغلاق أبواب الولايات المتحدة بوجههم. وأخيرًا، عمد إلى تأجيج الخوف من المهاجرين المسلمين مرة أخرى، بالإشارة إلى أن سجادات صلاة تُركت على الحدود المكسيكية حيث يريد أن يبني جداره.

تقول إكونوميست إن خبرة الماضي والآونة الأخيرة جعلت مسلمي الغرب يحذرون من اعتبار مستقبلهم فيه مسألة مفروغًا منها، لكنهم، على الرغم من ذلك، مقبلون على مرحلة جديدة. وبعد ثلاثة أجيال على وصولهم، يمارسون ديانتهم بما يتوافق مع مجتمعات شديدة التنوع وأنظمة حكم علمانية. باختصار، إنهم مسلمون غربيون. &

اعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن "إكونوميست". الأصل منشور على الرابط التالي:

https://www.economist.com/special-report/2019/02/16/the-30m-muslims-living-in-europe-and-america-are-gradually-becoming-integrated