مراكش: نظمت جامعة القاضي عياض بمراكش ومركز روافد للدراسات و الأبحاث في حضارة المغرب وتراث المتوسط ندوة دولية في موضوع «الأخلاق والسياسة في التراث العربي الإسلامي، تأثير أبي الوليد محمد ابن رشد في زمانه وفي العصور اللاحقة »، امس بمراكش، وهو اللقاء الذي تخلله تكريم خاص للمفكر و الباحث المغربي أحمد شحلان نظير ما قدمه من إسهامات علمية و مؤلفات وترجمات قيِمة في فكر ابن رشد، خاصة ترجمته لكتابي « جوامع سياسة أفلاطون » و« تلخيص الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو » من العبرية إلى العربية، بعدما فٌقِدا هذان الكتابين لابن رشد في لغتهما الأصلية العربية ولم يتم العثور عليهما إلى غاية اليوم.
&
وقال خالد الصمدي الوزير المغربي المنتدب المكلف التعليم العالي و البحث العلمي، في كلمة ألقاها خلال افتتاح الندوة، التي ستستمر أشغالها إلى غاية غدا الأحد، إن الوزارة بصدد دراسة مشروع معهد متخصص في الدراسات و اللغات الشرقية، مؤكدا أن هذا المشروع شكل دوما مطلبا ملحا للباحث أحمد شحلان منذ سنوات، نظرا لأهمية هذه اللغات التي تضم العديد من المؤلفات الإسلامية، كاللغة الفارسية و العبرية و التركية.&

بدوره، أكد عزيز أبو الشرع مدير مركز روافد و منسق الندوة على أهمية موضوعها، نظرا لأن ابن رشد شكل دوما نقطة التقاء الشرق و الغرب، منوها بالأبحاث التي قام بها شحلان المحتفى به، و الذي اعتبرها أبو الشرع لا تقل أهمية عن المؤلفات التي تركها مفكرون كبار من أمثال ابن رشد في قيمتها العلمية.&

من جهته، قال الباحث المغربي عبد المجيد الصغير إن أبا الوليد محمد ابن رشد مدين للباحث أحمد شحلان باسترداد كتابيه « جوامع سياسة أفلاطون » و « تلخيص الأخلاق إلى نيقوماخوس » لأرسطو، مشيرا إلى أن الأجيال القادمة ستكون محظوظة بقراءة ابن رشد بأسلوب أحمد شحلان.&

و تحدث شحلان عن الجانب التقني الذي هيأ لكتابيه جوامع السياسة لأفلاطون وتلخيص علم الأخلاق إلى نيقوماخوس لأرسطو اللذين ترجمهما أحد اليهود ويدعى صموئيل بن يهودا سنة 1322م، معتبرا أن التفكير في ترجمتهما لم يكن أمرا سهلا، نظرا لمعرفة ما يمكن أن يقع في نقل نص من النصوص إلى اللغة العبرية في الظروف التي تمت فيها الترجمة، لأسباب منها ما هو علمي ومنها ما هو عقائدي ومنها كذلك اختلاف المفاهيم، تبعا لاختلاف الحضارات، وكذا الفرق الشاسع بين اللغة العربية ذات التاريخ العريق و الجغرافيا الممتدة و الغنى التام واللغة العبرية ذات المولد الحدث و الحيز الضيق و المعجم الفقير.&

وأشار شحلان إلى اختلاف اللغة العبرية الحالية عن اللغة العبرية السائدة في العصر الوسيط والتي ترجم إليها الكتابان، وهو ما يفرض على من يخوض غمار هذه التجربة أن يكون ملما باللغة العبرية وفلسفة العصر الوسيط العربية اللاتينية العبرية، فضلا أن يكون متمرسا في لغة أبي الوليد ابن رشد، مع ما يتطلبه هذا البحث من مقارنة للنصوص المماثلة، حتى يعرف أمكنة المزالق التي سقط فيها المترجمون وهي كثيرة جدا، بالإضافة إلى التمكن من معجم العصر الوسيط.&

و اعتبر شحلان في مداخلته حول تقديم الكتابين اللذين ترجمهما إلى العربية، أن ابن رشد يعد الشارح الأكبر لفيلسوف اليونان أرسطو، حيث عرفت أوروبا الغربية عن طريقه تراثها، كما عرف الغرب قديمه وحديثه قيمة ابن رشد واهتم به وبمؤلفاته منذ القرن 12 الميلادي و إلى اليوم، مؤكدا أنه بعد اطلاع كبار رجال اللاهوت من أعلام اللاتيني على الفكر الرشدي، بدءاً من ذلك الزمان، سينهض إرنست رينان وهو من كبار عقول الغرب ليؤلف أهم مؤلف و أشمله عن ابن رشد في كتابه « ابن رشد و الرشدية » منوها بجهود هذا المفكر و امتدادها، بالإضافة إلى عناية يهود الأندلس ويهود الغرب خصوصا بفكر الرجل ونصوصه، درسا وترجمة وشرحا، معتبرا فكر ابن رشد ثمرة من ثمرات أوروبا، ولهذه الأسباب كتب رينان أطروحته التي صدرت سنة 1852.&

واعتبر شحلان أن كتاب رينان حرض العقول لدراسة ابن رشد الذي ظلت بعض مؤلفاته محجوبة بسبب الحرف العلمي، حيث لم تكن تتوفر فيها إلا ترجمات عِبْرية، ومنها الكتابان اللذان ترجمهما، موضحا أسباب غيابهما، التي أرجعها إلى نظرة ابن رشد نفسه إلى المجتمع الذي كان يعيش فيه (الأندلس) وفي تدبير شؤون الأمة، معتبرا أنه كان صريحا في قوله، لأنه كان صاحب تشريع و رجل سياسة وذو أخلاق، مؤكدا أن الكتابين اللذين لم يصلانا شكلا من دون شك سبب نكبة ابي الوليد المعروفة.&

ويشارك في الندوة ثلة من المفكرين و الباحثين في الفكر الإسلامي و فلسفة ابن رشد من جميع أنحاء العالم (أميركا، بلجيكا، فرنسا، الجزائر، العراق، مصر، سلطنة عمان، تونس ..) في محاور متعددة، منها « العدل عند ابن رشد » و « ابن رشد و إشكالية العلاقة بين الأخلاق و السياسة فيتأويل معاصر » و « أخلقة السياسة و تسييس الأخلاق في الفقه الرشدي » وغيرها من المحاور.