لم يقتنع قراء "إيلاف" بالسبب الإنساني الذي برر به دونالد ترمب تأجيله ضرب إيران عسكريًا، وقال معظمهم إن السبب انتخابي، وإنه خائف أن يخسر فرصة الفوز بولاية رئاسية ثانية.

إيلاف من بيروت: في إحدى التغريدات الأخيرة للرئيس الأميركي دونالد ترمب، قال: "أسقطت إيران طائرة مسيرة في المياه الدولية، فقررنا الرد بقصف 3 مواقع عسكرية. عندما سألت عن عدد الضحايا المتوقع أجابوني 150، فألغيت الضربة قبل 10 دقائق من موعدها، لأن عدد الضحايا غير متناسب مع حادثة إسقاط الطائرة". فهل هذا التبرير دقيق؟

سألت "إيلاف" في استفتائها الأسبوعي عن السبب الحقيقي وراء تأجيل ترمب ضرب إيران عسكريًا. شارك في هذا الاستفتاء 766 قارئًا، قال 349 منهم إن السبب انتخابي (بنسبة 45 في المئة)، ورد 251 منهم ذلك إلى سبب سياسي (بنسبة 33 في المئة)، وعزا 127 منهم إلى سبب عسكري (بنسبة 17 في المئة)، فيما رأى 39 قارئًا إن السبب إنساني (بنسبة 5 في المئة).

تداعيات انتخابية

تقول "إكونوميست" في افتتاحية بعنوان "كيفية احتواء إيران" إن ترمب لا يريد أن تلوح آفاق الحرب في الشرق الأوسط في حملته لإعادة انتخابه رئيسًا. وبحسب مراقبين، يدرك ترمب الذي أطلق قبل أيام قليلة حملةً لإعادة انتخابه لولاية رئاسية ثانية في عام 2020 أن أي تداعيات غير محسوبة للأزمة المستعرة مع إيران على مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والخليج ربما تكلفه غاليًا، فيدفع الثمن خسارته فرصة البقاء في البيت الأبيض أربعة أعوام جديدة. لعل ذلك يفسر تردده وارتباكه بعد إسقاط إيران طائرة استطلاع أميركية مسيّرة، وتأجيله الضربة العسكرية لأهداف إيرانية قبل 10 دقائق من حصولها.

وجد الديمقراطيون في ذلك فرصة سانحة لمهاجمة ترمب. وقال جو بايدن، أحد مرشحي الحزب الديمقراطي المحتملين للرئاسة الأميركية، إن ترمب أخفق في منع إيران من الحصول على سلاح نووي، وضمان استقرار إمدادات النفط عبر مضيق هرمز.

يقول أحد المحللين إن ما لا شك فيه أن ترمب لا يريد تكرار ما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر في عام 1980، حين أفقدته تداعيات اقتحام متظاهرين إيرانيين السفارة الأميركية في طهران في عام 1979 واحتجازهم 52 موظفًا ودبلوماسيًا أميركيًا 444 يومًا، وفشل عملية عسكرية لإنقاذهم في إبريل 1980، فرصة فوزه بولاية رئاسية ثانية.

وجه سياسي

لا شك في أن ثمة وجها عسكريا بين الأوجه المحتملة لتبرير تأجيل ترمب ضرب إيران. فبعد كشف واشنطن عن وقف ترمب تنفيذ ضربة عسكرية أميركية قبل دقائق من حصولها، تبادل الأميركيون والإيرانيون إشارات سياسية هدفها تخفيف التوتر في الخليج، أبرزها استدعاء الخارجية الإيرانية سفير سويسرا لدى طهران، راعية المصالح الأميركية في إيران، وتحميله مذكرة تضم تفاصيل حادثة&إسقاط الطائرة الأميركية وخصوصًا الإحداثيات الدقيقة لموقع إسقاطها في المجال الجوي الإيراني، ورسالة لواشنطن فيها أن إيران لا تريد حربًا مع الولايات المتحدة، لكنها لن تقف متفرجة إن تعرضت للعدوان.

ووردت من الأميركيين رسائل تهدئة أيضًا، منها إعلان ترمب نفسه وقف الضربة العسكرية، وقول مسؤولين إيرانيين لـ "رويترز" إن سلطنة عمان نقلت رسالة من ترمب إلى طهران يحذر فيها إيران من هجوم أميركي، وإن ترمب قال في رسالته إنه ضد الحرب مع إيران، ويريد إجراء محادثات مع طهران، محددًا فترة زمنية قصيرة للحصول على الرد الإيراني. إلا أن مجلس الأمن القومي الإيراني نفى تلقي بلاده أي رسالة من ترمب عبر سلطنة عمان.

في هذا الإطار، لا يمكن التغاضي عن قول المبعوث الأميركي الخاص بشأن إيران براين هوك إن ترمب ووزير خارجيته مايك بومبيو أكدا انفتاح أميركا على الحوار".

مواجهة لا يريدها

يسخر مراقبون مناهضون للولايات المتحدة من التبرير "الإنساني" الذي ساقه ترمب في تغريدته التي برر فيها تراجعه في اللحظات الأخيرة عن ضرب أهداف إيرانية، وتحججه بأن الأضرار البشرية غير متناسبة مع حادثة إسقاط طائرة مسيرة من دون طيار، ويقولون إن &تراجعه لا يتصل بالخسائر البشرية التي توقعها مستشاروه، والدليل بحسبهم "تقديمه العون العسكري والاستخباري للسعودية في الحرب باليمن"، ويردون ذلك إلى اعتراف بقوة إيران الدفاعية التي أسقطت طائرة أميركية مسيّرة من أكثر طائرات هذا النوع حداثة وتطورًا تقنيًا.

في المقابل، يقول محللون مستقلون إن الإدارة الأميركية وكبار موظفيها العسكريين&والأمنيين&لا يستهينون أبدًا بما لإيران من قدرات تخريبية تتمثل في مقدرات أذرعها الخارجية، أي وكلائها من الميليشيات المنتشرة في دول عدة، وفي مقدمها حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي وعصائب الحق وفيلق بدر وجيش المهدي وجيش المختار ولواء أبو الفضل العباس في العراق، وفاطميون وزينبيون وغيرهم في العراق وسوريا، والحوثيون في اليمن، لكن لم يصل هؤلاء إلى القوة التي وصل إليها حزب الله، خصوصًا بعد تمرس أفراده بحرب العصابات التي خاضها في سوريا&مدافعًا عن النظام السوري بأوامر إيرانية. وما استهداف المصالح الأميركية في العراق أخيرًا إلا حلقة ضمن سلسلة عرض العضلات الإيرانية في دول "الهلال الشيعي" الواقعة ضمن النفوذ الإيراني، والتي ستستغل طهران فيها قوة ميليشياتها لمهاجمة المصالح الأميركية، وهذا ما لا يريد ترمب أن يحصل، خصوصًا أن ذلك متى حصل سيجره إلى مواجهة شاملة مع الإيرانيين، في حرب ستشغل المنطقة بكاملها.