تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية لحزب "فوكس" الإسباني المتطرف ليست عادية، إذ جاءت في لحظة فارقة في تاريخ الحزب، مكنته من الإنطلاق في وقت كان فيه حزبًا هامشيًا ضعيفًا.

لقراءة النص الأصل أنقر على الرابط أدناه

Convenient Bedfellows - why the MEK backs Spanish far-right in tactical ideological reciprocity

"إيلاف" من بيروت: ساعدت أموال مقدمة من مسلمين اليمين المتطرف على دخول البرلمان الإسباني للمرة الاولى في أبريل 2019، حيث تبين أن تبرعات منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة لحزب "فوكس" الإسباني المتطرف الذي يجاهر بأن الإسلام هو العدو، ساعدته في تحقيق انتصاره الذي زلزل الساحة السياسية الإسبانية.

تواطؤ سياسي

عادت قضية التواطؤ السياسي بين جماعة مجاهدي الشعب الإيرانية الشهيرة، المعروفة أيضًا باسم "منظمة مجاهدي خلق"، وهي منظمة تركز على تقديس زعيميها مريم رجوي وزوجها مسعود رجوي، وحزب "فوكس" الإسباني المتطرف، للظهور إلى العلن في فبراير 2020 الجاري.

عندما دخل حزب "فوكس" الحياة السياسية في إسبانيا من خلال الفوز بمقعد في الأندلس في الانتخابات البرلمانية الإقليمية الأخيرة (أبريل 2019)، أثيرت أسئلة حول أصل تمويله وارتباطاته السياسية بحركات اليمين المتطرف الأخرى.

ما تم اكتشافه بعدها شكل صدمة مدوية: لم يتخيل أي شخص أن المجموعة التي تدعو إلى جبهة معادية بقوة للإسلام ستستفيد من دعم مالي تقدمه جماعة إسلامية، هي جماعة مجاهدي خلق الإيرانية.

نشر الإسلاموفوبيا

في حين كان اليمين الإسباني يتجنب الخطاب المعادي للإسلام، مفضلًا التصدّي للانفصاليين في كاتالونيا وأماكن أخرى، كان لحزب "فوكس" خطاب مختلف تمامًا. نشر هذا الحزب المتطرف شريط فيديو عن الإسلاموفوبيا يستعرض فرض المسلمين الشريعة في جنوب إسبانيا مستقبلًا، وتحويل كاتدرائية قرطبة إلى مسجد، وإجبار النساء على ارتداء الحجاب.

وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة "البايس" الإسبانية، مولت منظمة مجاهدي خلق الحملة الانتخابية لحزب "فوكس" الأندلسي في الانتخابات الأوروبية التي جرت في عام 2014 بنحو مليون يورو. وتتبعت الصحيفة الإشتراكية المسالك التي استخدمت في نقل الأموال، لكنها لم تتوصل إلى تسليط الضوء على فحواها.

الصلات بالإرهاب

تأسست منظمة مجاهدي خلق في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وتبنت أجندة مناهضة لشاه إيران ومعادية للولايات المتحدة. طردها الخميني من الحياة السياسية الإيرانية في عام 1980 بسبب آرائه الراديكالية. وبعد سلسلة من الهجمات الإرهابية الدموية في إيران، وجدت منظمة مجاهدي خلق ملجأ لها في العراق، تحت حماية الرجل القوي آنذاك صدام حسين.

للحفاظ على كيانها والاستفادة من حماية العراق، قاتلت منظمة مجاهدي خلق إلى جانب الجيش العراقي ضد مواطنيها في الحرب العراقية-الإيرانية، بحجة أنها تطمح إلى إصلاح الجمهورية الإسلامية وتحويلها إلى ديمقراطية نابضة بالحياة، على صورة قيادتها السياسية التي تقدس الزوجين رجوي.

قتل مقاتلو "خلق" المناهضون للرأسمالية والمعادون للإمبريالية والولايات المتحدة العشرات من رجال شرطة الشاه في معارك شوارع شهدت هجمات انتحارية في أغلب الأحيان خلال سبعينيات القرن الماضي. واستهدفت المنظمة الفنادق المملوكة للولايات المتحدة وشركات الطيران وشركات النفط، وكانت مسؤولة عن مقتل ستة أميركيين في إيران.

كانت "خلق" في الواقع هي التي حفرت للمرة الاولى الكراهية لأميركا في اللاوعي السياسي للإيرانيين من خلال صرخات مقاتليها "الموت لأميركا بالدم والنار، كلمات تنطق بها شفاه كل مسلم وهي صرخة الشعب الإيراني"، وتبنيها شعار "سيتم إبادة أميركا".

نجاح كبير

على الرغم من تاريخها الحافل بالإرهاب، علينا أن نعترف اليوم بنجاحها الكبير في إقناع الغرب بعكس تصنيفها كمنظمة إرهابية. منذ سقوط صدام حسين عملت المنظمة بجد لتصوير نفسها كصديق للغرب، وعلى الرغم من التقارير حول تورطها في اغتيالات العلماء النوويين الإيرانيين حتى عام 2012، شُطبت "خلق" عن لائحة الإرهاب من قبل المملكة المتحدة في عام 2009 والولايات المتحدة في عام 2012. وهي تُعتبر راهنًا المنظمة المفضلة عند المتشددين في إدارة ترمب.

بفضل تأثير مريم رجوي التي لم يظهر زوجها في الأماكن العامة منذ عام 2003، حصلت "خلق" على دعم كبير من اليمين الأميركي والأوروبي، المتحمس للتحالف ضد طهران. وفي الوقت الذي تقدم فيه المنظمة نفسها كمجموعة إصلاحية، من حيث أنها تسعى إلى تبني وتطوير تفسير ثوري حديث للإسلام، في تناقض حاد مع صرامة رجال الدين التقليديين في إيران، وُصفت الجماعة في كثير من الأحيان بأنها مزيج بين الماركسية والإسلام الشعوبي، صفة تعتبرها الحركات السياسية اليمينية المتطرفة الأوروبية بمثابة اللعنة.

اكتشف الحليفان المتناقضان أرضية مشتركة مثيرة للاهتمام؛ لا تعتمد على الأيديولوجية، بل على حاجتهما إلى الغضب المتبادل. وبينما قد نستنتج للوهلة الأولى، أن الإسلاميينوالمتطرفين اليمينيين ينتظرون الفرصة للإطاحة ببعضهم البعض، لا بد من ملاحظة أنهم أيضًا بحاجة إلى كراهية بعضهم البعض لتبرير وجودهم وترشيده.

متحدون في تطرفهم

إن رؤية الاثنين يجتمعان معًا لا تعبر عن امتدادات فكرية، بقدر ما هو تحالف في منعطف استثنائي يبحث فيه التطرف عن تعريف السرد العالمي.
هذه هي الحجة التي تطرحها جوليا إبنر، الزميلة الباحثة في معهد الحوار الاستراتيجي ومقره لندن، في كتابها "الغضب: الحلقة المفرغة للتطرف الإسلامي واليمين المتطرف"، فتتحدث عن حاجة الطرفين إلى بعضهما بعضًا من أجل تعزيز القضية، وتذهب أبعد من ذلك بالإشارة إلى أن الطرفين المتناقضين يمكن أن يمول كل منهما الآخر.

يزعم المتطرفون الإسلاميون، بحسب إبنر، أن الغرب في حال حرب مع الإسلام، وتدّعي الجماعات اليمينية المتطرفة أن المسلمين في حال حرب مع الغرب. لذلك، تستنتج إبنر أن هذه المعادلة تجعل المتطرفين الإسلاميين حلفاء للمتطرفين اليمينيين.

تقول إبنر في أحد المقابلات: "يستفيد المتطرفون اليمينيون والمتطرفون الإسلاميون عندما ينخرط أعداؤهم المعروفون في هجوم إرهابي، أو يفعل أعداؤهم أي شيء يؤكد رواياتهم. إنهم يريدون رؤية المزيد من الخلافات والمزيد من الفوضى في المجتمع. عندما تكون المجتمعات خائفة، وعندما يتم فصلها عن بعضها، تكون عرضة للروايات المتطرفة".

تضيف: "لذلك، لدى كل جانب أسباب وجيهة للاحتفال عندما يحدث شيء فظيع. إذا قام داعش بتفجير مركز للتسوق في بعض المدن الغربية، سيشير أقصى اليمين إلى ذلك بالقول: لقد كنا على صواب طوال الوقت، المسلمون في حالة حرب مع الغرب. وبالمثل، يمنح الإرهاب اليميني أو الخطاب المتشدد المتطرفين الإسلاميين المزيد من القوة لتسويق روايتهم عن كون الغرب معاديًا للإسلام ككل".

التبرعات

ذكر خواكين جيل، أحد صحافيي صحيفة "البايس"، في تقريره عن العلاقة بين منظمة مجاهدي خلق وحزب "فوكس" ما يأتي: "منذ تأسيس حزب فوكس في ديسمبر 2013، وفي نفس اليوم الذي سُجل فيه كحزب سياسي بوزارة الداخلية الإسبانية، بدأ الحزب الإسباني في تلقي الأموال الإيرانية".

تابع جيل شارحًا أن التبرعات جاءت من عشرات المصادر الفردية، من عدة دول من بينها الولايات المتحدة وألمانيا وسويسرا وكندا وإيطاليا بكميات تتراوح بين 35 إلى 60 ألف يورو، أي ما مجموعه حوالي 972 ألف يورو، في الفترة من ديسمبر 2013 إلى أبريل 2014، قبل وقت قصير من الانتخابات البرلمانية الأوروبية.

وفقًا لما قاله جيل، تم نقل الأموال من طريق أليخو فيدال كوادراس الذي كان حينها رئيس حزب "فوكس"، والذي استقال عقب خسارته في الانتخابات الأوروبية في عام 2014. وقد أبلغ خليفته، سانتياغو أباسكال بالأمر. ولم يتم التأكد من بقية التفاصيل عن وجهة التمويل.

أما بالنسبة إلى وجهة نظر الحزب الإسباني، فهو يدّعي أن هذه الأموال كانت مكافأة لفيدال كوادراس، الذي ساعد خلال فترة وجوده في برلمان الاتحاد الأوروبي على إعادة رسم صورة جديدة لمجاهدي خلق كنظير قابل للحياة ضد جمهورية إيران الإسلامية.

تعليقًا على هذا الموضوع، قال إيفان إسبينوزا، نائب رئيس الحزب للعلاقات الدولية: "لا علاقة لنا بمنظمة مجاهدي خلق. التمويل جاء من علاقة شخصية مع كوادراس، وليست للحزب أية علاقة بالأمر".

نقاط مشتركة

في أي حال، أصبح من الواضح الآن أن الحزب الإسباني ما كان ليحقق نصرًا سياسيًا من دون الدعم المالي لمجاهدي خلق، وهذا بحد ذاته دليل على أن المتطرفين، على الرغم من كلامهم الخطابي، مستعدون للعمل معًا لنشر أفكارهم.

غالبًا ما يلتقي المتطرفون الإسلاميون واليمين المتطرف في مواقفهما المتطرفة؛ إذ إن أيديولوجيتيهما مبنيتان على لعب دور الضحية في الداخل وشيطنة المجموعة الخارجية. الأهم من ذلك أن كليهما يلومان "المؤسسة السياسية الفاسدة" و"وسائل الإعلام الرئيسية المزيفة" على كل ما يحدث بشكل خاطئ، ويهدف إلى إحداث تغيير اجتماعي جذري من خلال خلق ثقافات مضادة.

تطرقت إبنر في كتابها إلى هذه النقطة الجوهرية، فقالت: "على كلا الجانبين، تجد مجموعات تتبنى حلولًا عنيفة، بما في ذلك جرائم الإرهاب والكراهية، للوصول إلى هذا الهدف، وهناك غيرهم ممن يلجأون إلى استراتيجيات مثل نشر الكراهية أو حرب المعلومات أو الدعوة لليقظة أو تحريك الشارع. في نهاية المطاف، يميل كلاهما إلى تشجيع نظريات المؤامرة ونهاية العالم، والتي يمكن أن تحرض على العنف وفي بعض الحالات تلهم الإرهاب".