أصبحت ستيفاني كيلتون أكثر وجه مألوف للنظرية النقدية الحديثة، وأسهبت في تفصيل النظرية والكيفية التي يمكن أن تحوّل بها وجه السياسة العامة في السنوات القادمة.

إيلاف من بيروت: تقدم ستيفاني كيلتون، إحدى كبار المستشارين الاقتصاديين لبيرني ساندرز وأستاذة الاقتصاد والسياسة العامة بجامعة "ستوني بروك"، والتي شغلت سابقًا منصب المستشارة الاقتصادية الرئيسية للجنة الموازنة في مجلس الشيوخ الأميركي في عام 2015، في كتابها الجديد "خرافة العجز: النظرية النقدية الحديثة وولادة الاقتصاد الشعبي" The Deficit Myth: Modern Monetary Theory and the Birth of the People's Economy (336 صفحة، منشورات بابليك أفيرز، 20 يورو) عرضًا للنظرية النقدية الحديثة التي ترى حل المشكلات الاقتصادية بشكلٍ ما يكمن في طباعة المزيد من النقود.

النظرية النقدية الحديثة
تجيب كيلتون، أحد أشهر رموز مدرسة فكرية جديدة مثيرة للجدل تُدعى "النظرية النقدية الحديثة"، في كتابها عن عدة أسئلة تُطرح اليوم في عالم الاقتصاد، ولا سيما اضطرار البنوك المركزية إلى إبقاء أسعار الفائدة منخفضة للسيطرة على تكلفة خدمة الدين، والقدرة على الحد من التضخم.

سيكون معظم المخاوف بشأن الآثار طويلة المدى لتحفيز الاقتصاد المتضرر من فيروس كوفيد-19 في غير محله إذا التزمنا حجة كيلتون. من أساسيات الكتاب الذي يقدم تفسيرًا واضحًا لـلنظرية النقدية الحديثة، فكرة ضرورة قيام الولايات المتحدة و "الجهات السيادية النقدية" الأخرى، مثل المملكة المتحدة واليابان وأستراليا وكندا، بالتصرف بصفتها جهات تصدر العملات بدلًا من استخدامها. وبالتالي، على مستخدمي العملات جمع الأموال قبل إنفاقها.

ترتكز النظرية النقدية الحديثة على حقيقة مفادها أن حكومة الولايات المتحدة تصدر عُملتها الخاصة، ومن ثم فهي لا تخضع للقيود المالية نفسها التي تواجه أرباب المنازل أو الشركات. وتؤكد كيلتون أن إقرار هذه الحقيقة له تأثيرات جذرية على السياسة الاقتصادية.


مشكلة التضخم
المبدأ الأساس للنظرية النقدية الحديثة، بحسب كيلتون، بسيط للغاية؛ ليست الحكومات بحاجة إلى ضبط ميزانيتها مثل الأسر والقلق بشأن الدين؛ لأنها تستطيع ببساطة طباعة أموالها الخاصة، بعكس الأسرة. وهذا يعني أن المخاوف المعتادة بشأن عدم قدرة الدولة على سداد الدين الوطني لا معنى لها. وبدلًا من ذلك، يجب أن يكون القلق نابعًا من التضخم.

توضح كيلتون أن القيد المفروض على الإنفاق يكمن في التضخم، لا الدين، لذلك تقترح أن ضمان الوظائف الممولة من أموال جديدة سيكون عامل استقرار تلقائي. المعادلة بسيطة: "عندما تنمو البطالة وينخفض الضغط التضخمي، ستقوم الحكومة بطباعة المزيد من المال".

بإمكان الحكومة، وفق كيلتون، ضخ الدولارات في الاقتصاد عبر الإنفاق بالعجز، فالاقتصاد لديه القدرة على زيادة الإنتاج وتوفير المزيد من المخرجات حين يتزايد الطلب. يعني ذلك أن لدى مالكي المطاعم ما يكفي من الطاولات لإطعام المزيد من الزبائن، وأن دور السينما لديها ما يكفي من المقاعد الفارغة لبيع المزيد من التذاكر للمشاهدين. هذا ما يعنيه بالتحديد امتصاص مزيد من الإنفاق دون التسبب في التضخم.

في الوقت الحاضر، لا يشكل التضخم أي تهديد. إن النقص الحاد في طلب الاستهلاك من الأسر والطلب على الاستثمار من الشركات يجعل الانكماش مصدر قلق أكبر من التضخم. وبمجرد أن يبدأ الاقتصاد في التعافي، سيتعين على صناع القرار السياسي مراقبة التضخم. مع ذلك، ولما يقرب من 40 عامًا، تم التحكم بهذه المشكلة بشكل جيد. ويرجع ذلك جزئيًا إلى المنافسة الدولية في سلسلة التوريد ونماذج الأعمال التجارية للشركات الكبيرة.

معضلة الديون
أغلقت البلدان في جميع أنحاء العالم اقتصاداتها في محاولة لمكافحة فيروس كوفيد-19. ووفرت الزيادات الهائلة في الإنفاق الحكومي الراحة للأسر والشركات، لكن وفقًا لكثير من السياسيين والاقتصاديين، أدى هذا الإنفاق الحكومي إلى خلق ما يُسمى "معضلات الديون الوطنية".

من المتوقع أن ترتفع مستويات الدين العام للولايات المتحدة والمملكة المتحدة فوق 100 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. متوقع أيضًا أن تزيد نسبة الدين العام لليابان إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 250 في المئة. يُضاف إلى ذلك توقعات صندوق النقد الدولي بأن يرتفع متوسط نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الاقتصادات المتقدمة أكثر من 120 في المئة.

مع ارتفاع نسب الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، يحذر الاقتصاديون من عبء الديون المتراكمة بعد الجائحة، التي يعلنون أنها ستفرض تقليصًا للإنفاق العام في المستقبل وزيادة في الضرائب. هنا، تجادل كيلتون بأن الإنفاق الحكومي المستهدف بشكل صحيح والدين الحكومي لا يجب أن يشكلا مشكلة. برأيها، العجز العام يمكن أن يكون صحيًا جدًا للاقتصاد، مؤكدةً أن ارتفاع معدل العجز يمكن أن يقوي الاقتصاد ويؤدي إلى نمو أسرع.

تحدد كيلتون ست خرافات أساسية عن الدين العام، وتبدد الفصول الستة الأولى من كتابها عبر شرحٍ مفصل الكثير من النظريات الاقتصادية المعروفة. ويشرح الفصلان السابع والثامن كيف يمكن استخدام العجز لتوليد اقتصاد أقوى مع ازدهار للحد من عدم المساواة والعلل الاجتماعية الأخرى.

نقلة في الاقتصاد
بغياب التضخم والمشكلات المرتبطة به، يمكن الحكومة معالجة العجز الحقيقي، مثل العجز في الوظائف، وعجز الرعاية الصحية، وعجز التعليم، وعجز البنية التحتية، وعجز المناخ، وعجز الديمقراطية. على هذا النحو، تؤكد كيلتون أن الجانب المعياري لـلنظرية النقدية الحديثة يجب أن يدعم بناء اقتصاد موجه نحو الناس بناءً على الأرباح والميزانيات المتوازنة.

تتحدث كيلتون عن نقلة مزدوجة في المنظور الاقتصادي، فهي توضح إجراءات السياسة المالية التي تتفوق على السياسة النقدية لتوجيه الاقتصاد واستقراره وإدارته. كما تقول إنه يمكن استخدام الآثار المعيارية لحجتها: "للدفاع عن السياسات التي تكون تقليديًا أكثر ليبرالية (مثل الطبابة للجميع، الكلية المجانية، أو تخفيضات ضريبية للطبقة المتوسطة) أو أكثر تحفظًا (مثل الإنفاق العسكري أو التخفيضات الضريبية للشركات)".

كما تدعو إلى إعادة النظر في أرباح المديرين التنفيذيين والحماية من الاحتكارات وحفظ براءات الاختراع وإلغاء ديون الطلاب، وإنشاء رعاية صحية شاملة وشبكة سكك حديدية عالية السرعة. ولأجل رفع دخول المستويات الدنيا، تطالب بمقاربة تحتية تُمكّن من استثمار دخول ملايين الأشخاص، معتقدةً بقدرة الولايات المتحدة على تقليل مستويات التفاوت في الثروة والدخل إلى المستويات التي كانت عليها في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية إذا توفرت الإرادة لإقرار بند دستوري ثانٍ للحقوق الاقتصادية.


أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن "كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية" و"فايننشال تايمز ".