التقى وزير الخارجية التركي مفتي مدينة غومولجينة (كوموتيني) إبراهيم شريف، ومفتي مدينة إسكاجة (كسانثي) أحمد مته، واطلع منهما على أوضاع الأقلية التركية في تراقيا الغربية.
Reuters
التقى وزير الخارجية التركي مفتي مدينة غومولجينة (كوموتيني) إبراهيم شريف، ومفتي مدينة إسكاجة (كسانثي) أحمد مته، واطلع منهما على أوضاع الأقلية التركية في تراقيا الغربية.

شهدت العلاقات اليونانية التركية توتراً ديبلوماسياً خلال الأيام القليلة الماضية، بعدما وصف وزير الخارجية التركي، مولود تشاوش أوغلو، الأقلية المسلمة في منطقة تراقيا الغربية، الواقعة شرقي اليونان، قرب الحدود بين البلدين، بأنها "تركية".

جاء ذلك خلال زيارة تشاوش أوغلو إلى اليونان، وإجراء محادثات مع نظيره اليوناني، نيكوس ديندياس، لبحث تهدئة العلاقات بين البلدين. ولكن زيارة أوغلو إلى تراقيا، يوم الأحد الماضي، ولقاء مفتي الأقلية المسلمة فيها، "استفزت" الجانب اليوناني.

تقول تركيا باستمرار إن اليونان لا تحمي بشكل جيد حقوق هذه الأقلية، ما يرفضه الجانب اليوناني بالكامل.

وكان أوغلو قد أشار إلى المسألة ذاتها منتصف أبريل/نيسان الماضي خلال مؤتمر صحافي عاصف مع نظيره اليوناني نيكوس ديندياس، في أنقرة. وقال آنذاك: "أنتم لا تسمحون للأقلية التركية بأن تطلق على نفسها تسمية تركية. أنتم تسمونهم مسلمين. إذا كانوا يعتبرون أنفسهم أتراكا فهم أتراك - عليكم أن تعترفوا بذلك".

لماذا يثير ملف تراقيا الغربية الجدل؟

يعيش في تراقيا عشرات آلاف المسلمين معظمهم من أصول اثنية تركية، إلى جانب أقليات اثنية أخرى. تقدر أعدادهم بين 120 ألفاً و150 ألفاً.

يرى الجانب التركي أنه من حقّ هؤلاء نسب أنفسهم إلى أصولهم التركية، واختيار مفتيهم بأنفسهم، عوضاً عن تعيينه من لدن الدولة اليونانية. في حين يرى الجانب اليوناني أنّهم مواطنون يونانيون من الديانة المسلمة، ولا يمكن منحهم صفة إثنية واحدة، لأنهم متنوعو الاثنيات.

يعدّ هذا الملف من الملفات الشائكة القديمة بين البلدين اللذين يشوب علاقتهما توتر دائم. وتعود بدايات التوتر حول قضية تراقيا الغربية إلى مطلع القرن الماضي، وتحديداً إلى اتفاقية لوزان عام 1923.

قسمت الاتفاقية المنطقة المعروفة تاريخياً بتراقيا بين تركيا واليونان وبلغاريا. موقع هذه المنطقة مهم، لأنها تطل على ثلاثة بحار، البحر الأسود، وبحر مرمرة وبحر إيجه، وتعد صلة وصل بين قارتي أوروبا وآسيا.

سبقت اتفاقية لوزان، اتفاقية تبادل سكاني بين تركيا واليونان، شملت نحو 1.6 مليون شخص، وأجبر بموجبها مسيحيون أرثوذكس أتراك على اللجوء قسرياً إلى اليونان، وأجبر مسلمون يونانيون على اللجوء قسرياً إلى تركيا.

ولم تستثن الاتفاقية أي اثنية أو عرق، بل قامت على الاعتبار الديني فقط، ومن دون أخذ رأي السكان بعين الاعتبار. بل جاءت كحل سياسي للصراعات بين اليونان وتركيا.

استثني من ذلك التبادل السكاني القسري الكبير، المسلمون في تراقيا، وقدر عددهم في ذلك الحين بنحو 120 ألفاً، وكذلك أرثوذكس إسطنبول وجزيرتي إمبروس وتندوس وقدر عددهم في ذلك الحين بنحو 270 ألفاً.

مسجد محمد الفاتح، من أقدم المساجد في تراقيا، شب فيه حريق عام 2017
Getty Images
مسجد محمد الفاتح، من أقدم المساجد في تراقيا، شب فيه حريق عام 2017

ما وضع المسلمين في تراقيا اليوم؟

رغم نفي الدولة اليونانية لأي تمييز بحق الأقلية المسلمة في تراقيا الغربية، تتهم منظمات حقوقية اليونان بقمع السكان، وبمنعهم من التعبير عن هويتهم الاثنية التركية، وبقمع إرثهم الثقافي ولغتهم.

وبحسب تقرير لمنظمة "ماينوريتي رايتس" الهنغارية، صادر عام 2019، فإنّ أبرز ما تواجهه الأقلية المسلمة في تراقيا الغربية يمكن تلخيصه كالتالي:

  • يعيش السكان في المنطقة منذ مئات السنين، ولكن الحكومة اليونانية لا تعترف بهم كأقلية إثنية وفق القانون الدولي، بل تصفهم بالأقلية المسلمة.
  • اشتدت الصعوبات التي تعاني منها الأقلية خلال السنوات الماضية، ومنعت من تأسيس جمعيات أو التدريس باللغة التركية أو التعبير عن إرثهم الحضاري أو ثقافتهم.
  • يتهم قادة الأقلية اليونان بتقييد حرياتهم الدينية، من خلال التدخل بتعيين المفتين من قبل الدولة، عوضاً عن انتخابهم من قبل أهل المنطقة. إلى جانب التدخل المكثف بقوانين الجمعيات والهيئات الخيرية الإسلامية، وصيانة المساجد.
  • يرى ممثلون عن الأقلية أن السكان يتعرضون للتمييز في التوظيف الحكومي على مستوى الإدارات الرسمية في اليونان.

ماذا فعل تشاوش أوغلو في تراقيا؟

لم يبدأ أوغلو زيارته إلى اليونان من أثينا، بل توجه الأحد فوراً إلى تراقيا، والتقى شخصيات دينية وممثلين محليين ومدرسة. كما زار ضريح أحد القادة السياسيين البارزين في المنطقة صادق أحمد (1948-1995) الذي توفي في حادث سيارة.

وكانت قناة "تي أر تي" التركية أعلنت أنها بصدد إنتاج فيلم عن حياة الطبيب صادق أحمد، العضو السابق في البرلمان اليوناني، ومؤسس "حزب الصداقة والمساواة والسلام"، يعرض العام المقبل، لإظهار "التمييز الذي يتعرض له الأتراك في اليونان، ومنعهم من التعبير عن ارثهم والتحدث بلغتهم"، بحسب ما نقلت صحيفة "دايلي صباح".

ضريح صادق أحمد
Reuters
ضريح صادق أحمد

وفور وصوله إلى المنطقة، غرّد أوغلو: "في اليونان .. للقاء أفراد من الأقلية التركية في تراقيا الغربية ومناقشة علاقاتنا الثنائية". وأضاف: "سنقف على الدوام بثبات إلى جانب الأقلية التركية في نضالها من أجل حقوقها، وأكدت مرة أخرى دعمنا الحازم".

حاولت الحكومة اليونانية التقليل من أهمية الزيارة، وقالت الناطقة باسم الحكومة اليونانية اريستوتيليا بيلوني إن "زيارة تراقيا هي زيارة خاصة. اليونان بلد منفتح وديموقراطي لا يحظر الزيارات الخاصة. وفي ما يتعلق بالأقلية (في تراقيا)، فإنها تستفيد من وضع مساواة".