فاروشا (Chypre): يدا بيد، يصطف نحو 50 قبرصيا يونانيا وتركيا في سلسة بشرية وتتعالى أصداء أصواتهم بين الأبنية المهجورة في فاروشا، مدينة الأشباح التي يسيطر عليها الجيش التركي منذ العام 1974.

وقال نيكوس كارولاس وهو في الستينات من العمر "نحن أمام منازلنا التي نهبت قبل 47 عاما، منازلنا التي لا يمكننا الوصول إليها، ونحن نقول: القبارصة الأتراك أصدقاؤنا، وسنقاتل من أجل بلد موحد".

في البداية، كان نيكوس المقيم السابق في فاروشا، يريد فقط أن يقابل بعض الأصدقاء الجمعة وأن يريهم مدينة طفولته الواقعة على الساحل الشرقي لقبرص. لكن الدعوة انتشرت، وتوافد قبارصة أتراك ويونانيون من كل أنحاء الجزيرة المقسمة لإظهار دعمهم للأشخاص الذين اضطروا في العام 1974 للفرار وفقدوا كل ما يملكون.


(نيكوس كارولاس، على اليسار، ينضم إلى سلسلة بشرية في منطقة فاروشا المسيّجة في الجمهورية التركية لشمال قبرص في 16 تموز/يوليو 2021)


غزو تركي

في 20 تموز/يوليو 1974، غزت تركيا الثلث الشمالي من قبرص ردا على انقلاب نفذه جنرالات قبارصة يونانيون بهدف ضمها إلى اليونان. وقسمت الجزيرة منذ ذلك الحين، بخط حدودي يفصل بين جمهورية قبرص (جنوب) التي تقطنها غالبية قبرصية يونانية وهي عضو في الاتحاد الأوروبي، و"جمهورية شمال قبرص التركية" في الثلث الشمالي من الجزيرة يسكنها قبارصة أتراك ولا تعترف بها سوى أنقرة.

في فاروشا، الحياة متوقفة إذ باتت المدينة الساحلية خالية من السكان وأصبحت منطقة عسكرية مطوقة بالأسلاك الشائكة تقع تحت السيطرة المباشرة للجيش التركي. وينتشر نبات الجهنمية على أسطح المنازل المهجورة.

لكن في 8 تشرين الاول/أكتوبر 2020، قررت السلطات التي تحظى بدعم من أنقرة إعادة إحياء المدينة، وأصدرت مرسوما يقضي بفتح شارع ديموكراتياس العابر للمدينة والذي يؤدي إلى الشاطئ الذهبي الذي كان وراء شهرتها.

إردوغان

من المتوقع أن يعلن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يزور فاروشا الثلاثاء إعادة فتح أجزاء جديدة من المدينة، وفق محللين.

من شأن خطوة كهذه أن تمثّل ضربة كبيرة للسكان السابقين، ومنهم أندرياس أناستاسيو (67 عاما) الذي يجهد للسيطرة على غضبه ويقول "أشاهد مبانينا مدمرة وأرغب في الصراخ، حتى يصل صوتي إلى كل أنحاء قبرص. لقد سرقوا مدينتنا منا".

إمكانية العودة

ووفقا لمسح أجرته جامعة نيقوسيا شمل ألفا من سكان فاروشا السابقين، يرفض 73 في المئة منهم العودة إليها إذا وضعت المدينة، بعد افتتاحها، تحت الإدارة القبرصية التركية، بخلاف ما تدعو إليه الأمم المتحدة.

واضاف أندرياس أناستاسيو "جعلوا المدينة غير صالحة للسكن. من السهل عليهم أن يعرضوا علينا العودة وهم يعلمون أننا سنرفض. نحن نرفض العيش تحت حكم القانون التركي".

في الأثناء، يعمل تركي خلفه على ترميم جدار. قال "إنها مدرستي القديمة" قبل أن يصرخ "انظروا، لقد محوا الاسم!".

فلاحون وبناؤون

ورغم أن فاروشا غير مأهولة، إلا أنها ليست صامتة تماما إذ لا يتوقف الفلاحون وعمال البناء عن العمل. وتجري عمليات تحسين لشارع ديموكراتياس قبل وصول إردوغان.

ومع حلول المساء، ترك القبارصة أيادي بعضهم البعض باتفاق الطرفين فيما اقتربت الشرطة التركية إذ أن التظاهر ممنوع في المنطقة العسكرية.

وقبل مغادرته، يلقي يلدريم هاسوغلو، صديق كارولاس منذ فترة طويلة والذي قدم "للتعبير عن تضامنه"، نظرة أخيرة حوله ويقول "لا أرى سوى الموت والألم هنا، حطام هائل".

يتنقل سكان من فاماغوستا التي تعد فاروشا أحد أحيائها، وبعض السياح بالدراجات الهوائية أو بأحذية مزودة بعجلات في هذا المتحف المفتوح. وقالت السلطات في "جمهورية قبرص التركية" إن أكثر من 200 ألف شخص زاروا فاروشا منذ إعادة افتتاحها الجزئي.

وشاهدت غودنس، وهي طالبة نيجيرية تعتمر قبعة كبيرة، صورا على إنستغرام و"أرادت القدوم ورؤيتها في الحقيقة". وقالت "إنه أمر مخيف: ماذا لو كان هناك أشباح هنا؟".

بالنسبة إلى نيكوس كارولاس، لم تغادر الأشباح المدينة مطلقا. وكان يراقب بحنين الواجهة المدمرة لمقهى "إديلفايس" قرب المدرسة التي ارتادها، على المقاعد نفسها حيث كان يجلس أندرياس اناستاسيو.

وروى مبتسما "اعتدنا أن نأتي إلى هناك لنتناول مشروبا بعد المدرسة، ونرقص ونغازل. لقد وقع كثر منا في الحب في هذا المكان".