عندما هبط أنتوني بلينكن في مطار بن غوريون يوم الاثنين قال إنه وصل في "لحظة محورية".
وبحلول نهاية زيارته التي استمرت يومين، كان من الواضح أنه كان يفكر في أكثر من لحظة.
تشهد إسرائيل والضفة الغربية المحتلة في الوقت الحالي مستوى من العنف لم يسبق له مثيل منذ سنوات، وهو ما يشي بأن الأمور خرجت عن السيطرة لحد بعيد.
وثائق بريطانية تكشف كيف سعى بوش للتخلص من ياسر عرفات
أنتوني بلينكن: المستوطنات الإسرائيلية عقبة أمام عملية السلام
لكن هناك عدة "لحظات محورية" في المنطقة والأمريكيون قلقون. ربما كان كبير دبلوماسييهم يشير إلى إحداها أو جميعها أثناء حديثه على المدرج ودخان الطائرات لا يزال يتصاعد من خلفه.
إنها قائمة طويلة، أولها ربما هو تسارع معدل إراقة الدماء. يأتي بعد ذلك التحالف الحاكم الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو (الذي يحاكم بتهم فساد، ينفيها جميعها).
ويؤكد هذا التحالف على الحقوق اليهودية "الحصرية" في كل الأرض (أي إنهاء أي فكرة عن دولة فلسطينية مستقلة في المستقبل). كما يقترح إجراء تغيير جذري في طبيعة النظام القانوني في إسرائيل (الهجوم الكامل على الديمقراطية الإسرائيلية كما يقول أولئك الذين يتدفقون إلى الشوارع احتجاجا).
ثم هناك انهيار شبه كامل لسيطرة السلطة الفلسطينية في أجزاء من الضفة الغربية المحتلة (رؤية موجات من الاقتحامات العسكرية الإسرائيلية والمساعدة في خلق جيل جديد من المسلحين)، زعيم متقدم في السن وغير محبوب في السلطة الفلسطينية ( هذا العام هو رقم 18 من ولايته)، وإعلانه الأسبوع الماضي عن التخلي عما يسمى بالتنسيق الأمني مع الإسرائيليين (وهي خطوة يمكن أن تؤدي إلى انهيار أمني كامل في الضفة الغربية).
الكثير من تلك الأمور كانت في طور النمو منذ سنوات . وبعد أن أصدرت الولايات المتحدة سلسلة من الإعلانات غير المسبوقة حول المنطقة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، عادت إدارة بايدن إلى التخلص من العديد منها. وباتت قادرة على إعطاء الأولوية فقط لما تعتقد أنه ممكن في المدى القريب.
انسوا أي حديث مفاجئ عن السعي إلى حل الدولتين - الصيغة الدولية للسلام التي طال أمدها. هذه هي إدارة الأزمات. وقد ركز بلينكن على استخدام عبارتين، "الدعوة إلى الهدوء" و "التمسك بقيمنا المشتركة".
بالنسبة للنقطة الأولى، كان عدد القتلى من بين الأسوأ منذ سنوات. في الأشهر العشرة الماضية، كانت هناك موجات من عمليات البحث والاعتقال الدامية التي قام بها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة، وجولة ضارية من القتال بين إسرائيل ومسلحين فلسطينيين في غزة، وسلسلة من الهجمات العنيفة من قبل الفلسطينيين ضد الإسرائيليين. قُتل أكثر من 200 فلسطيني و 30 إسرائيليا في عام 2022. وفي يناير/ كانون الثاني وحده من هذا العام، قُتل أكثر من 30 فلسطينيا وسبعة إسرائيليين.
وقد التقى بلينكن نتنياهو في القدس يوم الاثنين وحث جميع الأطراف على "اتخاذ خطوات عاجلة لاستعادة الهدوء ووقف التصعيد".
وقال "نريد أن نتأكد من وجود بيئة يمكننا أن نأمل فيها في وقت ما أن نخلق الظروف التي يمكننا من خلالها البدء في استعادة الشعور بالأمن للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وبطبيعة الحال فإن الأمن مفقود بشدة".
لا يزال الأمريكيون إلى حد بعيد أقوى قوة دبلوماسية منفردة قادرة على التأثير على القيادات الإسرائيلية والفلسطينية، لكنهم رغم ذلك امامهم عقبات كبيرة.
العقبة الأولى هو أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والاحتلال العسكري ليسا الأولوية بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة، كما كان من الامر سابقا.
كيف يمكن تفادي اندلاع انتفاضة جديدة في الأراضي المحتلة؟- الغارديان
والأخرى هي قوة الرأي العام المحلي الأمريكي حيث تشعر الإدارات الديمقراطية والجمهورية بضغط المشرعين في الكونغرس الذين يمكنهم اتخاذ مواقف قوية بشأن الصراع والاحتلال.
لكن وعلى الرغم من كل ذلك فقد كانت الولايات المتحدة تاريخيا الوسيط من أجل السلام، والحليف "القوي" لإسرائيل، وهي داعم كبير إذ لطالما قدمت المساعدات العسكرية لإسرائيل وبعض الأموال للفلسطينيين من خلال الأمم المتحدة.
أما بالنسبة لنتنياهو، فيبدو أن الأمريكيين يتعاملون معه على أنه وحده الذي يتحكم بشكل كامل في ائتلافه ووزرائه اليمينيين المتطرفين.
لكن من الواضح بالفعل أن الولايات المتحدة قلقة للغاية بشأن مستوى التدهور الذي يمكن أن يتسبب به هؤلاء اليمينيون. اختار وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير أن يكون أول ظهور علني له في المنصب في يناير/ كانون الثاني ليتجول حول أكثر المواقع المقدسة حساسية في القدس محاطا بضباط حماية. وصف الأمريكيون أي شيء يهدد الترتيبات الدقيقة للوضع الراهن هناك بأنه "غير مقبول".
وفي الفترة التي سبقت رحلته، كانت هناك تكهنات حول ما إذا كان بلينكن سيشير إلى مخاوف الولايات المتحدة بشأن مقترحات التحالف المثيرة للجدل بشأن النظام القضائي، لمنح الحكومة سلطات لتجاوز قرارات المحاكم إذا خالفت تشريعات الحكومة.
جاء ذلك في لحظة حاسمة بعد أن قال بلينكن إن العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل تجاوزت "أي حكومة أمريكية أو إسرائيلية".
وقف بلينكن إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي وتحدث عن "المصالح المشتركة والقيم المشتركة" للبلدين، موضحا أنها تتمثل في: "المبادئ والمؤسسات الديمقراطية الأساسية ... احترام حقوق الإنسان، المساواة في إقامة العدل للجميع، المساواة في الحقوق بين الأقليات، سيادة القانون، الصحافة الحرة، ومجتمع مدني قوي ".
كان وصفا غير عادي، وعمليا كان عبارة عن قائمة من التوقعات التي لدى الولايات المتحدة من الزعيم الإسرائيلي للحفاظ على الديمقراطية. وقبل ذلك، لربما تحسبا، أكد نتنياهو لبلينكن أن إسرائيل، حالها حال الولايات المتحدة، "ستبقى" ديمقراطية قوية.
وقد كتب أحد المراسلين المخضرمين في واشنطن في صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أن الإدارة الأمريكية ترى في خطط نتنياهو محض "انقلاب للنظام" من شأنه أن يجعل إسرائيل "دولة غير ليبرالية وغير ديمقراطية في أعقابه".
تصدرت تعليقات بلينكن العديد من عناوين الصحف الإسرائيلية. ورد وزير إسرائيلي من اليمين المتطرف بغضب على بلينكن "لقد قررت إعطاء رئيس وزرائنا درسا في الديمقراطية!"، وطلب منه التوقف عن التدخل.
أما في رام الله، كان الموضوع الرئيسي مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو دعوته إلى عدم متابعة تهديده بإسقاط التنسيق الأمني مع إسرائيل، الذي يعد إرث اتفاقية أوسلو للسلام التي أُبرمت في التسعينيات من القرن الماضي.
والتنسيق الأمني يقتضي أن تتنحى قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية جانبا عندما يداهم الجيش الإسرائيلي المدن الفلسطينية. إنه لا يحظى بشعبية كبيرة لدى العديد من الفلسطينيين، وقد هدد عباس مرارا وتكرارا بالتخلي عنه في الماضي، ولكن لم يسبق أن ترجم هذا التهديد على أرض الواقع . وبحلول يوم الإثنين، بدا بالفعل وكأن رئيس السلطة الفلسطينية يتراجع عن تهديده، حيث ورد أنه قال إنه "تم تعليق التنسيق الأمني جزئيا فقط".
وتحدث بلينكن في وقت لاحق عن "خطوات ملموسة" يمكن للجانبين الآن محاولة اتخاذها لتقليل مستوى العنف، وأن أعضاء فريقه سيستمرون في العمل عليها. وقد طُلب منه التوضيح لكنه لم يفعل. بدأت الزيارة بـ "لحظة محورية" لكنها انتهت بدون وضوح في الرؤية حول كيفية التعامل مع تلك اللحظة المحورية.
التعليقات