أعلنت وزارة الصحة في غزة أمس السبت خروج مجمع الشفاء الطبي عن الخدمة بعد نفاد الوقود، في ظل استمرار القصف الإسرائيلي للمستشفى الذي بدأ مساء الجمعة.
وأوضح الدكتور أشرف القدرة المتحدث الرسمي باسم الوزارة في غزة أنّ المستشفى محاصرٌ من قبل القوات الإسرائيلية، وأنّ القصف مستمرٌ سواء على محيط المستشفى أو على مبانيه الداخلية، بحسب القدرة.
وقال القدرة لبي بي سي إنه تم استهداف العناية المركزة ومستشفى الجراحة، بالإضافة إلى خيم النازحين، وأنّ أيّ حركة بين مباني المستشفى يتم استهدافها، وهو ما حدث مع أحد الطواقم الطبية خلال انتقال أفرادها من مبنى إلى آخر، ما أدى إلى إصابة طبيبة بجروح خطيرة، "ولربما تفارق الحياة في أيّ لحظة".
وأكّد ذلك الصحفي "أبو معاذ" الذي تحدث لبي بي سي قائلاً "لا يمكننا الخروج لأنّ القناصة الإسرائيليين يتمركزون حول المستشفى، وحاولت شابة تبلغ من العمر 26 عاما الخروج من المستشفى، لكنّ قناصاً إسرائيلياً استهدفها".
وتابع "الجرحى والمرضى والنازحون مرعوبون، نحن محاصرون تماماً والقصف الكثيف مستمر، إنّهم يهاجمون كلّ مكان ولا يمكننا الخروج".
تبادل الاتهامات بين الجانبين
نفى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ الرواية الفلسطينية عن نفاد الكهرباء في مستشفى الشفاء، أكبر مستشفى في غزة.
وقال رداً على سؤال لبي بي سي "هذا غير صحيح"، موضحاً أنّ "هناك الكثير من التلاعب من جانب حماس، وهناك كهرباء في مستشفى الشفاء، وكل شيء يعمل" بحسب هرتسوغ.
ويقول الرئيس الإسرائيلي إنّ الجيش يتحدث إلى المدراء في المستشفى، وإنّ المقر الرئيسي لحماس تحت المبنى، متهماً الحركة الفلسطينية بالمسؤولية عن قصف المستشفى، الأمر الذي نفته حماس.
وقال الجيش إنّ قذيفة أطلقتها فصائل مسلحة في غزة هي التي أصابت مستشفى الشفاء يوم الجمعة، ونفى صحة التقارير التي ذكرت أنّ الانفجار نجم عن ضربة جوية إسرائيلية.
وأضاف الجيش في بيانٍ إنّ "فحص أنظمة العمليات التابعة للجيش يشير إلى أنّ قذيفةً أطلقتها منظماتٌ إرهابيةٌ داخل قطاع غزة هي التي أصابت مستشفى الشفاء".
وتابع أنّ "القذيفة التي فشل إطلاقها كانت تستهدف قوات الجيش" في محيط المستشفى.
الأطفال الخُدج في خطر
تلقت بي بي سي اليوم صوراً لما لا يقل عن 20 طفلاً حديثي الولادة، محتجزين في غرفة العمليات الجراحية بالمستشفى، حيث يحذر الأطباء من احتمال وفاتهم.
وقال الدكتور مروان أبو سعدة، رئيس قسم الجراحة، في رسالة صوتية أُرسلت لبي بي سي: "أخشى إذا تركنا هؤلاء الأطفال في هذه الوحدة في هذه الحالة، فإننا نتركهم للموت... إنهم أطفال مبتسرون".
وتُظهر الصورُ أطفالاً رضعاً ملفوفين ببطانيات، ومصطفين في صفوف على أسرة المستشفيات المخصصة للكبار. ويبدو أنّ العديد منهم لديهم أشرطة لاصقة على وجوههم، تشير إلى حاجتهم إلى الأكسجين.
وفي وقت سابق، قالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل اليوم الأحد إنّ طفلين رضيعين توفيا بالفعل، مع وجود "خطرٍ حقيقيٍ" على حياة 37 آخرين.
وأعلنت متحدثةٌ باسم الجيش الإسرائيلي اليوم، أنّ إسرائيل وافقت على إجلاء الأطفال الخُدج من المستشفى إلى مكانٍ أكثر أماناً، من دون تحديد كيفية تنفيذ عملية الإخلاء.
وقال الدكتور أبو سعدة إنّ ما فهمه هو أن المناقشات "مفتوحة" من خلال الصليب الأحمر، لكنّه قال إنّ القصف بالقرب من المستشفى يعني أن الأمر خطير للغاية، مشيراً إلى أنه لا توجد منشأة أخرى في غزة يمكنها استيعاب هذا العدد الكبير من الأطفال المبتسرين.
وأصرّ أبو سعدة على أنّ الأولوية يجب أن تكون لإعادة الطاقة إلى المستشفى لإنقاذ حياة الأطفال والمرضى.
"فقدنا سبل الحياة"
أوضح الدكتور القدرة أنّ المجمع الطبي الذي يضم 20 ألفاً ما بين طواقم طبية وجرحى ونازحين، "فقد كل سبل الحياة" حيث أصبح بلا كهرباء أو ماء أو طعام، كما توقف مختبر المستشفى عن العمل و بدأت وحدات الدم في التلف.
وأضاف أنه منذ صباح السبت "لا تتوافر كسرة خبز أو شربة ماء ولا أدوية"، موضحاً أنّ الطاقم الطبي يستخدم مهاراته في إسعاف المرضى بالطرق اليدوية.
وقال القدرة إنّ مستشفى الشفاء يضم نحو 37 طفلاً من الأطفال الخُدج في الحضانات، بالإضافة إلى نحو 30 مريضاً في العناية المركزة، توفي أحدهم بسبب عدم القدرة على إنقاذ حياته.
وأضاف مسؤولٌ من وزارة الصحة في غزة أنّ قسم أمراض القلب تم تدميره صباح اليوم.
ما الأثر الصحي لتراكم الجثامين تحت أنقاض المباني في قطاع غزة؟
في حديثه لبي بي سي السبت، قال القدرة الذي يوجد حالياً في مجمع الشفاء، إنّه تم استهداف بعض خيم النازحين داخل المجمع بعدة قذائف، أدت إلى استمرار ألسنة اللهب لفترة طويلة.
وأضاف أنّ محاولات إخماد الحريق جرت باستخدام المواد المتوافرة في المستشفى من "بطانيات" و"رمل"، لكنّ الحريق "أكبر من قدراتنا".
وعبّر القدرة عن خوفه من امتداد الحريق إلى بقية الخيم إذا استمر القصف الإسرائيلي، لاسيما في ظل عدم تمكن الدفاع المدني من الوصول إلى المجمع وإطفاء الحريق.
إخلاء "مستحيل"
#عاجل سكان شمال غزة لديّ عدة رسائل مهمة اليكم هذا الصباح:
— افيخاي ادرعي (@AvichayAdraee) November 12, 2023
مئات الآلاف من السكان قد انتقلوا على مدار الأيام الأخيرة عبر الممرّ الآمن الإنساني، سواء بالسيارات أو مشيًا على الأقدام عبر شارع صلاح الدين.
🔴 اليوم (الأحد) أيضًا سيتم فتح شارع صلاح الدين أمام مروركم، اعتبارًا من… pic.twitter.com/9VuWmdN21o
طالب الجيش الإسرائيلي بإخلاء المستشفى، بحسب ما أوضحه المتحدث باسم وزارة الصحة في غزة لبي بي سي، والذي قال إنه أمر غير ممكن "بسبب العدد الهائل للمرضى والجرحى والنازحين، ولا يمكن إخلاء المكان تحت القصف والتهديد".
ونفى الجيش الإسرائيلي استهداف المستشفى، مؤكداً وجود "قتال عنيف ضد حماس" في المنطقة، وأنّ مركز قيادة الحركة يقع تحت مباني مستشفى الشفاء.
وقال العقيد موشيه تيترو من مكتب تنسيق أعمال الحكومة التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية السبت، إنّ الجانب الشرقي من المستشفى كان مفتوحاً لمن يريد الخروج بأمان، لكنّ الدكتور القدرة أوضح لبي بي سي أن مجموعة من النازحين حاولوا الخروج من بوابة مجمع الشفاء، فقصفوا بشكل مباشر، وهم حتى الآن "ملقون على الأرض بين قتيل وجريح ولا تستطيع الطواقم الطبية أن تقوم بإجلائهم أو الوصول إليهم".
وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي الأحد أنّه فتح ممر إخلاء من مستشفى الشفاء إلى الطريق الرئيسي جنوبّي قطاع غزة.
وقال أفيخاي أدرعي في تدوينة على موقع إكس، تويتر سابقاً، إنّ هناك طريقاً متاحاً من المستشفى عبر شارع الوحدة حتى طريق صلاح الدين.
شهادات يرويها غزيون عن حياتهم تحت القصف
ونقل موقع أطباء بلا حدود عن الدكتور محمد عبيد، الجراح بالمنظمة الذي يعمل في مستشفى الشفاء تأكيده على استحالة إخلاء المستشفى، موضحاً أنّ "هناك الكثير من المرضى الذين أجريت لهم عمليات جراحية بالفعل ولا يستطيعون المشي".
وأضاف أنّ الإخلاء أمرٌ غير ممكن، فالمرضى بحاجة إلى سيارة إسعاف لنقلهم، متسائلاً "إذا لم أكن هنا أو أي جراح آخر، فمن سيعتني بالمرضى؟!"
مرضى وأطباء تحت النار
قالت منظمة الصحة العالمية الليلة الماضية إنها فقدت الاتصال مع جهات الاتصال التابعة لها في أكبر مستشفى في غزة، وأعربت عن "مخاوفها البالغة" بشأن سلامة الموظفين والمرضى هناك.
وحذرت منظمة أطباء بلا حدود من أن المرضى والطواقم الطبية في غزة "محاصرون في المستشفيات تحت النار" ودعت "الحكومة الإسرائيلية إلى وقف الاعتداء المتواصل على النظام الصحي في غزة".
وقالت المنظمة في بيان أصدرته السبت "على مدى الـ 24 ساعة الماضية، تعرضت المستشفيات في غزة لقصف متواصل. وقد تعرض مجمع مستشفى الشفاء، أكبر مرفق صحي لا يزال يعمل فيه طاقم منظمة أطباء بلا حدود، للقصف مرات عدة، بما يشمل أقسام الولادة والعيادات الخارجية، ما أدى إلى وقوع العديد من الوفيات والإصابات.
وجددت منظمة أطباء بلا حدود دعواتها لوقف الهجمات على المستشفيات بشكل عاجل، والوقف الفوري لإطلاق النار وحماية المرافق الطبية والطاقم الطبي والمرضى.
حرب غزة: ما فرص التوصل إلى هدنة إنسانية شاملة؟
ونقل الموقع رسالة استغاثة نصية أرسلها أحد الأطباء التابعين للمنظمة هذا الصباح يقول فيها: "نحن نقتل هنا، من فضلكم افعلوا شيئاً"، موضحاً أنه يحتمي مع عائلته وعائلات أخرى في الطابق السفلي.
وأضاف: "القصف قريب جداً، وأطفالي يبكون ويصرخون من الخوف".
ودعت آن تايلور، رئيسة بعثة منظمة أطباء بلا حدود، الحكومة الإسرائيلية إلى "وقف هذا الاعتداء المتواصل على النظام الصحي في غزة"، قائلةً "إنّ موظفينا ومرضانا موجودون داخل مستشفى الشفاء ولم يتوقف القصف العنيف منذ أمس"، ووصفت تايلور الوضع في مستشفى الشفاء بأنه "كارثي".
التعليقات