كيب تاون (جنوب أفريقيا): ما زال من الممكن رؤية عوارض متفحمة وقرميد متناثر من خلال الثغرات في سقف برلمان جنوب إفريقيا في كيب تاون، بعد حريق مدمر اجتاح المبنى قبل عامين، ولا تزال ندوبه ظاهرة خلف واجهته الضخمة الحمراء والبيضاء، مجسدة برأي العديدين مشكلات البلاد على مشارف عام انتخابي.

وفي ظل بطء عملية إعادة الإعمار، اضطر أعضاء البرلمان البالغ عددهم 400 عضو إلى الانتقال إلى قاعة أصغر في كيب تاون لا تتسع إلا لـ 170 منهم فقط.

وكشف تحقيق حول الحريق المتعمد الذي أشعله رجل يُدعى زانديل كريسماس مافي (50 عامًا) عن إخفاقات أمنية عديدة، بينها أن الحراس كانوا نائمين خلال فترة دوامهم.

وأُعلن المرتكب غير مؤهل للمثول أمام المحكمة. واعتَبر الخبير السياسي سانديل سوانا في حديث لوكالة فرانس برس أن الحريق وعواقبه يسلطان الضوء على "دولة فاشلة" لا تستطيع تأمين الخدمات الأساسية، وتتجاهل معايير السلامة، والتخطيط فيها "في حالة يرثى لها". وأضاف "كل هذا يخلق جواً من عدم الاستقرار وانعدام الأمن بشكل عام".

وأكد المتحدث باسم البرلمان مولوتو موثابو أن عملية إعادة الإعمار ستبدأ في كانون الثاني/يناير وتستمر لمدة عامين وفقاً "للمواعيد المعلنة".

وأضاف أنّ الحصول على التمويل والتراخيص، وإزالة الأنقاض، ونقل الأغراض التي يجب وضعها في مكان آمن، وتجهيز الموقع، أمور استغرقت عامين.

ويصادف العام 2024 ذكرى مرور ثلاثة عقود على قيام الديموقراطية بعد نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وعليه فإن تاريخ بدء الأعمال يحمل رمزية. وأكد موثابو أن عملية تحديث المبنى ستُفضي إلى برلمان "مُرمَّم ومُحسَّن".

وقال "المؤسسة ليست مجرد حجر، بل تحمل آمال وتطلعات ومستقبل" مواطني جنوب أفريقيا.

لكن التأخير المتواصل يثير غضبا.

أضرار كبيرة
وقال سيفيوي غواروبي، زعيم الحزب المعارض الرئيسي "التحالف الديموقراطي" في البرلمان، أمام لجنة برلمانية هذا العام "جميعنا متّفقون على أن هذه العملية كانت طويلة جدًا ومحبطة".

واستغرقت السيطرة على الحريق الذي اندلع في 2 كانون الثاني/يناير 2022 أكثر من 48 ساعة. ولم يُسفر الحريق عن وقوع إصابات، إلا أنه تسبّب بأضرار بقيمة 120 مليون دولار. كما دمر قاعة شهدت لحظات تاريخية، مثل إعلان الرئيس فريديريك دو كليرك عام 1990 إطلاق سراح نيلسون مانديلا بعد 27 عاماً في السجن.

وأفاد مولوتو موثابو بأن المبنى الذي سيتم تجديده سيحتوي على "عناصر حداثة إضافية" وسيضم قاعة أكبر قادرة على استيعاب جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان.

وفي حين يتسع المقر الحالي للبرلمان لـ 170 مقعدا فقط، يشارك النواب الآخرون في المناقشات عن بعد عبر الإنترنت.

واعتبر بريت هيرون من حزب "غود" المعارض الصغير أن ذلك يقوّض الشفافية. وأضاف "لا يعمل البرلمان كما ينبغي". وتابع "من غير المعقول أن نتوقع من سكان جنوب إفريقيا القبول بهذا الترتيب لمدة عامين آخرين على الأقل".

وكان حزب "المقاتلون من أجل الحرية الاقتصادية" (أقصى اليسار) وهو ثاني أحزاب المعارضة، اقترح نقل البرلمان إلى بريتوريا، حيث مقر الحكومة، قبل أن يتراجع عن الاقتراح.

وما زال أعضاء البرلمان يتساءلون كيف تمكن زانديل كريسماس مافي من دخول البرلمان في تلك الليلة.

وقضت محكمة بعدم إمكانية محاكمته لأنه مصاب بالفصام.

سلسلة إخفاقات
وكشفت جلسات المحكمة وتقرير برلماني عن سلسلة إخفاقات في أمن المبنى وصيانته.

وأظهرت لقطات كاميرات المراقبة مافي وهو يتجول في محيط البرلمان لأكثر من 24 ساعة من دون أن يتم رصده، قبل أن يسكب البنزين على صناديق من الكرتون وصحف.

وكان الضباط المسؤولون عن متابعة كاميرات المراقبة نائمين.

ولم يرصد نظام الإطفاء النيران ولم تعمل طفايات الحريق الأوتوماتيكية.

ووصف "التحالف الديموقراطي" هذه الإخفاقات بأنها "جوهر" حكم حزب المؤتمر الوطني الإفريقي، الذي يتسم بحسب الحزب المعارض "بالإهمال وعدم الكفاءة".

ومن الممكن أن يحصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يتولى السلطة منذ العام 1994، وفقاً لاستطلاعات الرأي، على أقل من 50 بالمئة من الأصوات العام المقبل، بسبب الاستياء المتزايد من الفساد وسوء الإدارة والبطالة المستشرية.