الأحد: 16. 10. 2005


منذ أحداث 11 سبتمبر وبدء الإرهاب في المنطقة، اشتدت الصراعات والخلافات الفكرية بين تيارات الإسلام السياسي والحركات الليبرالية في الخليج، ويتبادل الطرفان الاتهامات بشكل يومي في الصحف الخليجية، خصوصاً في دولة الكويت، حيث تنشر بعض الصحف تحقيقات جديدة حول هذا الصراع·
تيارات الإسلام السياسي تتهم الليبراليين بالكفر ومحاربة الإسلام ومعارضة تطبيق الشريعة والعمالة للغرب ومحاربة ثوابت الأمة وقيمها وتقاليدها، بينما تتهم التيارات الليبرالية جماعات الإسلام السياسي بمحاربة الدولة المدنية والدستور والقانون واستغلال الدين لأغراض سياسية، وأن هذا التيار يهيئ البيئة الحاضنة للتطرف والإرهاب في المنطقة، وأن من أساليب هذه الجماعات استخدام الأموال الخيرية لأغراض سياسية وتمويل الإرهاب، كما يتهمونهم بعدم الإيمان بالديمقراطية والتعددية الفكرية، وأنهم يستغلون الديمقراطية للوصول إلى السلطة وإلغاء الديمقراطية·
الخلاف الفكري بين الطرفين ليس جديدا، بل هو ظاهرة صحية مطلوبة لتوضيح وجهة نظر كل طرف حول القضايا الخلافية في مجتمعنا· الجديد في هذا الخلاف هو تورط دول الخليج وعدم وضوح رؤيتها في كيفية التعامل مع هذه التيارات·
دول الخليج العربية تتمتع بنظم تقليدية مستقرة ومحافظة، فهي بذلك أقرب إلى أطروحات الإسلام السياسي، لذلك شجعت هذه الحكومات بروز الحركات والأحزاب السياسية من خلال مؤسسات المجتمع المدني أو المؤسسات الحكومية الرسمية، كما دعمت قيام المؤسسات الإسلامية المختلفة من مدارس ومعاهد دينية ومؤسسات وشركات مالية، ودعمت بعض الدول الخليجية قيام المدارس الدينية في أفريقيا وآسيا خصوصاً في باكستان وأندونيسيا، كما قامت جمعيات خيرية بتمويل الأنشطة والمشاريع الإسلامية في هذه الدول·
اليوم وبعد أحداث 11 سبتمبر وتزايد العنف والإرهاب في كل أرجاء المعمورة حتى وصل الإرهاب الى بعض دول الخليج، بدأت هذه الدول أخيراً تعي خطورة هذا التيار وبدأت تعيد النظر في علاقتها معه، فقد بدأت أمنياً ملاحقة الإرهابيين وتنظيماتهم، وبدأت حملة بمتابعة مصادر تمويلهم، والأهم من كل ذلك هو محاولة اجتثاث المنابع الفكرية لهذه الجماعات، وهو أمر يصعب تحقيقه لاعتبارات كثيرة لا يتسع المجال لذكرها·
ما يهمنا اليوم هو الإشكالية الجديدة التي تواجه هذه الدول، وهي كيفية معالجة هذه المشكلة بدون القيام بالإصلاح والتجديد في مجتمعاتها، فالإصلاح ضروري لبقاء واستقرار هذه الأنظمة، لكن الإصلاح له معايير عالمية جديدة وحزمة واسعة من القيم وجدت قبولاً واعترافاً دولياً واسعاً لها بعيداً عن أي معايير داخلية وطنية قد تفرضها سيادة الدولة، ومن هذه المعايير قيم الديمقراطية والحكم الجيد وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل والأقليات· أما على المستوى الاقتصادي فالمطلوب انفتاحاً اقتصادياً وقواعد جديدة للتجارة، كما أن هنالك اهتماما دوليا بالبيئة والصحة والتعليم وغيره·
في ضوء هذه المعايير الدولية يتم تصنيف الدول وقبولها في المحيط الدولي·· ردود فعل الدول الخليجية في البداية هي رفض واستنكار تلك المعايير الدولية، لكنها اليوم تطلب الوقت الكافي للتغيير، وتتعلل في ذلك بأن عاداتنا وتقاليدنا وتراثنا تتعارض مع بعض هذه المعايير· هذا التفكير لم يعد حقيقياً أو مقبولاً لأن الكثير من الدول تحولت للأفضل رغم قيمها وتقاليدها·
الخلاصة أن دول الخليج التي شجعت تيارات الإسلام السياسي وعزلت الفكر الوسطي المعتدل، تجد نفسها اليوم متورطة في كيفية التعامل مع المتغيرات المتسارعة في عصر العولمة، فهي من جهة تحمل لواء محاربة التطرف والإرهاب الذي تمثله جماعات الإسلام السياسي، لكنها من جهة أخرى لا تستطيع قبول الأفكار والأطروحات الليبرالية التي تدعو لوضع دساتير وقوانين وضعية، وإطلاق الحريات واحترام حقوق الإنسان وإنصاف المرأة والأقليات·
من المفارقات الغريبة أن دول الخليج العربية تريد الانفتاح الاقتصادي دون أن يواكب ذلك انفتاح سياسي، وهذا أمر يصعب تحقيقه· لذلك لجأت دول الخليج إلى استغلال الصراع الليبرالي-الإسلامي لتأخير الإصلاح في أوطانها تحت حجة أن هنالك تيارات شعبية واسعة ترفض التغيير والإصلاح من الخارج وأن الإصلاح سيبدأ من الداخل·· ومعنى ذلك ببساطة تغير الإصلاح أو التغاضي عنه إلى الأبد