عبد الرحمن الراشد

يوم القدس في ايران هو من مظاهر الثرثرة السياسية الذي اعتاد عليه الايرانيون منذ سنوات. يعرفونه كمنبر تبرير للاستقطاب الإقليمي، والاستمرار في حمل السلاح الميليشي الداخلي، وعنوان من عناوين المواجهة الدعائية. وضمن المهرجان الكلامي تحدث الرئيس الجديد عن ازالة اسرائيل، فورط حكومته في موقف سياسي دولي افقده تعاطف دول غير اسلامية، كانت مستعدة لمناصرته في معركته السياسية ضد وكالة الطاقة الذرية والولايات المتحدة وبريطانيا. عاد الرئيس احمدي نجاد مهونا من دعوته لإزالة الدولة الصهيونية، وقال انه ردد كلاما يقال منذ خمس وعشرين سنة ماضية، وبالتالي لا يفهم لماذا هذه الغضبة الكبيرة ضده، كما حاولت سفارتا بلاده في روسيا وفرنسا التقليل من كلام الرئيس.
الحقائق كثيرة في الخطاب السياسي الايراني وأبرزها ان كثيرا مما يقال لا يصدق، ولا علاقة له بسياسية الجمهورية. فإيران اقرت في وقت مضى انها تاجرت مع اسرائيل في السلاح ابان حربها ضد نظام صدام، عدو الدولتين. كما أنها تتعامل اليوم مع الوجود الاميركي في الجوار العراقي ببراغماتية تفوق معظم الدول العربية، وفي نفس الوقت تحاربه في المياه الخليجية.

ايران هدفها الخروج من قفص المقاطعة الاميركية، ومستعدة من اجل ذلك فعل كل شيء من بناء قنبلة نووية او التهديد ببنائها، والزج بميلشياتها في العراق، وتسليح حزب الله في لبنان، والمزايدة على الفلسطينيين في قضيتهم، ورفع الشعار الاسلامي.

هذه المزايدات الكلامية في مهرجاناتها السياسية مألوفة، الا انها مقلقة هذه المرة بوصول احمدي نجاد الى سدة الرئاسة محاطا بعدد من المتحمسين لفكر المواجهة، الذي غاب عن حكام طهران السابقين، مثل الرئيس السابق محمد خاتمي والرئيس الأسبق هاشمي رافسنجاني. ففي عشرين سنة من حكميهما حافظا على الخطاب المتشدد والابتعاد عن التهديد المباشر.

الحقيقة ان ايران لا تريد حربا مع اسرائيل، ولا تنوي تحرير فلسطين الا بمقدار نية بقية الدول العربية. الذي تطمح اليه طهران هو رفع الحصار المستمر عليها من قبل واشنطن، الذي أذاها سياسيا واقتصاديا، ولا يمكن رفعه الا بإحدى طريقتين، اما بترغيب واشنطن وهو ما لا تريد فعله ايران، او بتخويفها وهو الذي لم يفلح في تغيير رأي الادارات الاميركية المتعاقبة. وعندما اعلن الرئيس احمدي عن حماسه لإزالة دولة اسرائيل، كان كلامه مهرجانيا في يوم اعتادت الجمهورية على الخطب الرنانة، لكنه بفعله هذا فتح جبهة دولية ضد مشروعه النووي.

بسببه قالت الدول المعادية لإيران هذا هو الدليل على ان في ايران رجالا لا يوثق في عقولهم وفي ايديهم سلاح نووي خطير. احمدي نجاد لم ينتبه ان واجباته كرئيس للدولة تختلف عن دوره كرئيس للبلدية، يستطيع ان يقول ما يشاء. ولو ان هذا التهديد كتبه صحافي في جريدة كيهان، لربما قيل انه مجرد مقال لصحافي، لكن ان يصدر من فم الرئيس شخصيا، فقد صار كلاما مسؤولا يؤخذ بجدية حقيقية، فأضر بقضيته وموقفه في مهرجان كلامي لا قيمة سياسية له.


[email protected]