أمير طاهري

مع استعداد الرئيس الإيراني الجديد محمود احمدي نجاد لوضع بصمته الخاصة بمناسبة مرور 100 يوم على رئاسته، يناقش أصدقاؤه وخصومه أداءه حتى الآن، ومن المتوقع أن يصلوا إلى استنتاجات مختلفة.
فمن جانب قام خصومه ضمن النظام الخميني من رجال دين وآخرين، والذين هزمهم في انتخابات يونيو الماضي بحملة مكثفة ضد شخصيته، وهذا برز من خلال تسريبات وتصريحات ضمنية وهجمات مباشرة عبر الإعلام وفي التجمعات الشعبية.

ويقود هذه الحملة ضد احمدي نجاد رجلا دين كان كل منهما رئيسا سابقا. الأول هو هاشمي رافسنجاني الذي لم يتجاوز بعد صدمة خسارته لصالح احمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والذي اعتبره ذات مرة «من الوزن الخفيف»، أما محمد خاتمي فهو الآخر غاضب لأن احمدي نجاد قد خفَّض من ميزانية ما يسمى بـ«حوار الحضارات» والذي أنشأه الرئيس السابق خاتمي، كي يخدع الغربيين والعرب ويجعلهم يصدقون بأن النظام قد دفن الأيديولوجية الخمينية بدون رجعة.

كلا رجلي الدين هما قلقان أيضا على إصدار الرئيس الجديد قرارا يقضي بإجراء تدقيق في الحسابات العامة للأموال التي أنفقت خلال الستة عشر عاما الاخيرة، أي خلال الفترات الرئاسية لرافسنجاني وخاتمي. ويقول تقرير أولي إن 120 مليار دولار من الـ 600 مليار دولار التي أنفقت في إيران منذ عام 1979 «لم تنفق بطريقة مناسبة».

كذلك يشعر جناح خاتمي ـ رافسنجاني، بالسخط، لأن الكثير من أعضائه قد فقدوا وظائفهم التي تمكنوا من الحفاظ عليها لستة عشر عاما. والكثير من المسئولين الإقليميين تم طردهم من وظائفهم، وسيتم تبديل 30 سفيرا. واتسعت عمليات التطهير من قبل احمدي نجاد كي تشمل الشركات الحكومية الكبيرة.

وإذا استمر الاتجاه الحالي فإن من الممكن أن يسحب البساط من تحت أقدام نخبة رجال الدين الحديثة الثراء ومسانديهم. هناك بعض الأثرياء الذين أنتجتهم الثورة الإسلامية قد غادروا البلد، وبدأوا بالاستقرار في عدد من البلدان الأوروبية. بينما باع آخرون أسهمهم وأرصدتهم وهذا ما قد يؤول إلى انهيار سوق البورصة في طهران.

لكن الحرب الطبقية هي ليست وحدها السبب في لماذا يكره رجال الدين أحمدي نجاد. بل هم يكرهونه لأنه أحيا خطاب الثورة الأصلي للخمينية بدون أسلوب «التقية».

فالمبادئ والأفكار التي يتعامل معها رافسنجاني وخاتمي، كمجرد مجاز أصبحت أمورا ملموسة وحرفية تحت حكم أحمدي نجاد.

وأحد هذه المفاهيم الأساسية هي الإمام الغائب، المهدي المنتظر. فبالنسبة لرافسنجاني وخاتمي فإن هذه الفكرة متعلقة بما يسبق يوم الدينونة مع غياب أي تأثير لها على الحياة الحالية للمجتمع. لكن أحمدي نجاد أعاد شأن مبدأ الإمام الغائب كحقيقة مركزية في حياة إيران الاجتماعية والثقافية والاقتصادية. وهو قد وقع حلفا مع الإمام المنتظر وطلب من جميع المسئولين أن يقوموا بذلك أيضا. وهذه البادرة جعلت رجال الدين بمن فيهم «المرشد الأعلى» غير ضروريين. لذلك فإن الجمهورية الإسلامية أصبحت مسئولة أمام الإمام الغائب وليس أمام «المرشد الأعلى».

وإعادة تفسير فكر المذهب الاثنى عشري، لا يستبعد فقط أي شكل من اشكال الحكم من جانب الملالي، بل ايضا أي شكل من اشكال الديموقراطية المنتخبة. وبهذه الطريقة يأمل احمدي نجاد في التغلب على القوتين السياسيتين الرئيسيتين اللتين تتصارعان من اجل السلطة في ايران منذ منتصف القرن التاسع عشر. ورسالته هي: لا لحكم الملالي ولا لحكم الديموقراطية.

كما غير احمدي نجاد الوضع الدولي للجمهورية الاسلامية. فعلى العكس من رافسنجاني وخاتمي اللذين كانا يتحدثان بخطاب مختلف داخل ايران عن ذلك الذي يتحدثان به خارجها، فإن احمدي نجاد يستخدم نفس الخطاب في كل مكان. فهو يدلي بكلمته امام الجمعية العامة للامم المتحدة بنفس الطريقة التي يتحدث بها امام جمع من الجهاديين في معسكر للانتحاريين في طهران. وعلى العكس من رافسنجاني الذي يتحدث عن الاعمال والتجارة، فإن احمدي نجاد يتحدث عن الصراع والتضحيات. وعلى العكس من خاتمي الذي يتحدث عن ديكارت وهيغل لكي يؤثر على الغرب، فإن احمدي نجاد يتحدث عن الثوريين في الاسلام الكلاسيكي مثل ابو ذر الغفاري وبالطبع الامام الحسين.

وعلى العكس من رافسنجاني وخاتمي اللذين حاولا اعادة تعريف الاسلام بطريقة ترضي العالم المعاصر، الذي تشكله وتسيطر عليه الافكار الغربية، فإن احمدي نجاد يحاول تجديد انقى تعريفات الاسلام ويؤكد انه بديل للنظام العالمي المعاصر وليس مرشحا لان يصبح جزءا صغيرا منه.

ان خطاب احمدي نجاد الراديكالي ادى الى التشويش بين الاسلاميين المزيفين الذين بعثوا بأولادهم للدراسة في الجامعات الغربية، ولكنهم يصرون على تعلم اولاد الفقراء في المدارس الدينية فقط. هؤلاء الذين حاولوا تشكيل حياتهم بجزء من الافكار الاسلامية، وجزء من الافكار الغربية المعاصرة، يشعرون بعدم الراحة من احمدي نجاد الذي يجبر الجميع على اتخاذ موقف.

ما يقوله احمدي نجاد هو: لا يمكن للشخص ان يصبح نصف حامل، اما ان تكون او لا تكون.

ان النظر الى تعهد احمدي نجاد بالقضاء على اسرائيل من على الخريطة، هو محاولة لإجبار الجميع على اتخاذ موقف مما يعتبر اطول نزاع في الشرق الاوسط المعاصر. ان احمدي نجاد يطلب من الجميع تقرير طبيعة النزاع الاسرائيلي الفلسطيني. هل هو نزاع فقط حول مفهوم الدولة او الحدود او الامن او المشاركة في منابع المياه او المستوطنات او العلاقات الدبلوماسية؟ اذا كانت الاجابة بنعم، فلا يجب اعتبار النزاع كنزاع ديني بين المسلمين واليهود. بل هو نزاع سياسي واحد من بين عديد من النزاعات المنتشرة طوال التاريخ. واذا كان نزاعا سياسيا، فإن كل الطاقات الدينية المضافة اليه في نصف القرن الماضي وضعت في غير مكانها.

اما اذا كنا نواجه شيئا اكثر من مجرد نزاع سياسي، فلا يوجد سؤال حول قبول وجود اسرائيل كدولة ذات حدود. ان اتفاقيات السلام التي توصلت اليها مصر والأردن والسلطة الفلسطينية مع اسرائيل اصبحت وثائق ليست ذات قيمة سياسية بل تعتبر ردة.

وفي اقل من مائة يوم هز احمدي نجاد وضع العديد من الملالي. والسبب هو انه يطلب من الجميع ان يكون امينا مع نفسه. ويؤمن ان العالم يتجه الى صدام بين الحضارات الاسلام فيه البديل الوحيد للسيطرة الغربية. وهو على قناعة بأن الاسلام يمكن ان ينتصر وسينتصر.

ويرجع الامر الان للجميع لتقرير ما اذا كان يجب النظر الى هذا التحليل بنظرة جدية ام اعتباره اوهاما لشخص ساذج سيعلم ان العالم الحقيقي مختلف. ولكن المشكلة هي ان احمدي نجاد خلق، بالنسبة لمعظم الاسلاميين داخل وخارج ايران امرا لا يمكن تجاهله. فهو يقول ان الاسلام ليس مجرد مذاق تضيفه الى السياسات التي ليست ولا يمكن ان تكون اسلامية. اما ان نمضى الطريق الى نهايته ونقضى على السياسة كمجال مختلف عن الدين، او ان نتوقف عن استخدام الدين كوسيلة لمنح سياستنا الشرعية التي لا تستحقها.

طرح مثل هذه الاسئلة ليس بأمر بسيط، ولاسيما في اقل من مائة يوم.