عبد الرحمن الراشد

فتحت الحكومة البريطانية آذانها لشخصيات مسلمة بريطانية مُعتَبَرة، اختارتها كمستشارين لها حول قضايا الجالية المسلمة. خطوة جيدة لولا أنها تمثل توجهاً واحداً. المستشارون برروا اسباب التفجيرات التي نفذها مسلمون بريطانيون في لندن بسببين؛ سياسة بريطانيا الخارجية والبطالة.

ولا اختلف مع المستشارين بأن هناك جالية اسلامية غاضبة من مشاركة بريطانيا في حرب العراق، لكن يجب القول ايضا ان هناك جالية مسلمة بريطانية مؤيدة للتدخل كأغلبية العراقيين. ومن الإنصاف التذكير بأن المسلمين ليسوا أصلا من خلفية واحدة، وإن كانوا يُصَلُّونَ خمس مرات في اليوم. هناك من المسلمين البريطانيين من ينتقد الحكومة البريطانية، لأنها امتنعت عن إسقاط نظام صدام الشرير أوائل التسعينات. وهناك مسلمون بريطانيون يرفضون تورط حكومتهم في الحرب، وهكذا.

الانحياز في الاختيار يُذكِّرني بحال أحداث عام 1990، بُعيْدَ احتلال الكويت. فقد كانت الأصوات العربية البريطانية المتاح لها الحديث في الإعلام البريطاني فقط تلك التي تهلل لغزو الكويت. الحال لم تتغير كثيرا، فالمسلمون ينقسمون دائما الى معسكرات كُلٌّ حسب جذوره وموقفه الفكري كبقية البريطانيين.

والمشكل الثاني مع المستشارين الإسلاميين، أنهم يقولون ما سبقهم اليه من المفكرين العرب الذين كانوا يُبررون جرائم أسامة بن لادن وأتباعه بإسقاطها على الموقف السياسي والفقر والبطالة ونقص تكافؤ الفرص في المجتمع. وبعد أن تكاثرت جرائم المتطرفين واتضحت أدبياتهم، تخلّى اكثر المفكرين العرب عن تلك المقولات. فأهمية تحسين أوضاع الناس المعيشية وتوسيع الفرص الوظيفية مطلبٌ مشروعٌ، لا علاقة له بالإرهاب، ويصلح للمطالبة به للصينيين والهنود والأفارقة، لأنه ليس مشكلة العرب أو المسلمين وحدهم.

وحتى لا ننسى، فإن الذين ارتكبوا جرائم لندن، هم مثل أستاذيهم بن لادن وأيمن الظواهري، يمثلون خميرة المجتمع الذي عاشوا فيه. بن لادن نفسه مليونير حظي بفرص لم يُمنح مثلها لمائتي مليون عربي آخر. الظواهري جاء من اسرة ميسورة، وحصل على تعليم جيّد حتى نال درجة الدكتوراه. وبالتالي، فالربط المباشر بين الارهاب والفاقة والظلم السياسي ليس خاطئا فقط، بل هو خطير لأنه يبرر للإرهابيين جرائمهم. الارهابيون انفسهم يطرحون قائمة مطالب عديدة؛ معظمها سياسية، ولم تكن بينها الوظيفة او الفرص الدراسية. معظم الأعمال الارهابية الحديثة تغذيها ثقافة دينية متطرفة تقتل الحلاقين والفنانين.. والذين يختلفون معهم دينا وفكرا.

تبريرات مستشاري الوزارة منحت الإرهابيين ما لا يستحقونه، وهو التبرير الأخلاقي لجرائم قبيحة.

وما أدهشني كثيرا، ان هؤلاء المستشارين نصحوا ضد خطة الحكومة بملاحقة مرابع التطرف، من مكتبات ومواقع إلكترونية ومحرضين..، معتبرين ذلك تحديدا للحريات!

عجبا، لننظرْ من يتحدث عن الحريات! ولماذا تمنح الحرية لفاشيين يهددون من يخالفهم تارة بجهنم، وبالقتل تارة أخرى. إن ملاحقة المتطرفين تخدم الجالية المسلمة أولا، وتصون أبناءها قبل غيرهم، وهي مشروع جيد لتصحيح وضع مريض قائم.

[email protected]