لابد من أن الأرهابيين يضعون أيديهم على كميات هائلة من الأسلحة يديمون بها هذا القتل اليومي الذريع للأبرياء في العراق، كيف تسنى لهم الحصول على السلاح والمتفجرات ومن سهل لهم، أو غض النظرعن تزودهم بها؟ قضية المتفجرات المفقودة أثيرت قبل أشهر ثم أنطفأت، لكن الفرنسية سارة دانيال التي كانت في قلب المناطق المتوترة فترة طويلة مراسلة لمجلة (لو نوفيل أوبزرفاتور) تقص علينا، فيما يخص هذه القضية، ملخص مرافقتها آنذاك للأرهابيين في حصولهم المجاني على أدوات الدمار (قضت سنة مع مختلف المجاميع في مناطق التوتر)، وهي شهادة تستحق أن يطلع عليها، وللتذكير بالجريمة الأصلية.
مدينة متخمة بالمتفجرات، هي بمثابة جنة المتمردين. موقع القعقاع الذي أختفت منه 342 طنا من المتفجرات حسب تصريح وكالة الطاقة الذرية الدولية، مون لزمن طويل الجماعات العراقية المسلحة بعد سقوط نظام صدام حسين. ذكرت ميليسا فليمنغ الناطقة الرسمية باسم الوكالة بأن منظمتها طلبت من الولايات المتحدة حراسة هذه المواقع بعد نهب موقع التويثة النووي السابق القريب من بغداد في نيسان 2003 بعد بضعة أيام من سقوط النظام. هل نقلت المتفجرات قبل الحرب كما أكد دونالد رامسفيلد؟ وحسب قول نائب الوزير الأميركي جون شو فأن القوات الخاصة الروسية هي مصدر أختفاء 342 طنا من المتفجرات، وهي ادعاءات وصفها وزير الدفاع الروسي بأنها (اختلاقات وأكاذيب).
ما هو مؤكد أن سلطات قوات التحالف لم تسمح لمفتشي الوكالة في آب من عام 2003 بالعودة الى موقع القعقاع. برر جو ميرانت الناطق بأسم البعثة الأميركية الى مجلس الأمن هذا الرفض قائلا :(تقود الولايات المتحدة وبريطانيا العظمى هذا البحث عن الأسلحة ولاداعي للسماح للمفتشين)). يبقى أن رئاسة الأركان الأميركية لاتستطيع أبدا توضيح من نقل متفجراتHMX من مخابئ القعقاع.
زرت موقع القعقاع في تشرين الثاني 2003 في معرض تحقيق عن المجاميع المسلحة التي تتمركز حول اللطيفية، ولكي أفهم كيف كانت مجاميع العصابات تمون نفسها بالسلاح رافقت هذه المجموعة من المتمردين الذين نفذوا بعد بضعة أيام من ذهابهم الى موقع المتفجرات هجومهم على طائرة DHL . سرق أبو عبد الله ورفاقه كميات من التي أن تي والمتفجرات. كان منظر مدينة القنابل المفتوحة هذه، كهف علي بابا، والذي يمتد على مساحة عشرات الكيلومترات مذهلا. يعرف أفراد المجموعة كل الدروب الموصلة اليها، الطرق الصغيرة غير المعبدة التي يتجنب الجنود الاميركيون السير فيها لخطورتها. وحسب ما سمعناه من أفراد المجموعة فأنهم بعد سقوط النظام نقلوا محتويات مخازن (تي أن تي) برمتها ملأوا بها شاحنات ظنا منهم أن الأميركيين سيمنعون الوصول الى هذا الخزين من المتفجرات المفيد لأعدائهم في عملياتهم.
عرض أفراد المجموعة علينا الترسانة التي أستولوا عليها وقتها، قواعد صواريخ، رمانات يدوية، صواريخ سمتيات جرى تحويرها ومن ثم دفنها في مزارع للخضراوات، ولكنهم سرعان ماتوصلوا الى أن الأميركيين سيكونون بحاجة الى حشد جيش كامل لحراسة مصانع الأسلحة الكيمياوية والقنابل والمتفجرات السابقة في القعقاع وهكذا لم يعودوا يكلفون أنفسهم عناء دفن الـ(تي أن تي) في مزارعهم ويكفيهم أن يأتوا عند الحاجة ليتزودوا من المخازن العملاقة المكشوفة على الأرض على شكل أكداس. بفضل بارود حظائر القعقاع الأحمر الثمين أستطاعت مجموعة أبي عبد الله ضمان تفجير رتل على طريق الحصوة السريع.
في اليوم الذي زرنا فيه الموقع وفيما كانت سيارة المقاتلين تتجه الى موقع الذخائر أعترضتها دورية اميركية. وجه جندي شاب وهو على ظهر مدرعة سلاحه الأوتوماتيكي نحو المجموعة. ترجل أبو عبد الله مبتسما. تحدث باللغة العربية حديثا وديا مازحا مع الضابط الأميركي أردني الأصل الذي كان يستجوبه، لم تمض ثلاث دقائق حتى سمح له بالأنصراف، لم يمنعنا بعد ذلك أحد من دخول موقع الذخيرة. الحراس العراقيون المسلحون الذين يندر وجودهم هناك لم يوجهوا لنا حتى مجرد سؤال عما جئنا نفعله في الموقع. استطعنا، ونحن مندهشون من هذه السهولة، أن نتجول بحرية في مدينة القنابل، مدينة القذائف والمتفجرات التي تحكي تأريخ العراقي العسكري كله. نسف العديد من النهابين أنفسهم بعد سقوط النظام وهم يحاولون رفع القذائف المبعثرة على الأرض ، من المستحيل فهم السبب الذي حال دون أن يحظى هذا الموقع بحراسة أفضل.
عندما سألت، غداة هذه الزيارة، بمناسبة استقبال صحفي واحدا من الجنرالات الأميركيين المكلف بتشكيل الجيش العراقي الجديد أجابني ((لم أسمع بوجود هذا الموقع أبدا)). هذا الموقع الذي قال أنه لم يسمع به هو الموقع الذي خاطبت وكالة الطاقة الذرية الدولية حوله الأدارة الأميركية بوصفه ((موقع المتفجرات الرئيسي في العراق)).