الجمعة: 25. 11. 2005
يوسـف إبراهيم
تحظى قضية الأقباط المصريين في الوقت الراهن باهتمام عالمي، خصوصا مع وصول عدد يتزايد باستمرار من المسيحيين العرب إلى مناصب مرموقة في الولايات المتحدة وأوروبا وأستراليا، سواء في مجال العمل الحكومي أو في قطاع الأعمال·
ومن أبرز وأغنى الشخصيات وأعلاها صوتاً وسط المهاجرين من المسيحيين المصريين أو ''الأقباط'' كما عرفوا خلال العشرين قرناً الماضية، المهندس المليونير عدلي أبادير الذي وصل في الماضي إلى منصب وكيل إحدى الوزارات المصرية قبل أن يتم سجنه ''خطأً'' كما يقول· وبعد خروجه من السجن هاجر عدلي أبادير إلى سويسرا مشحونا بقدر كبير من المرارة بسبب المعاملة السيئة التي تعرض لها· ومن زيوريخ، التي كوَّن فيها ثروة طائلة كرجل من رجال البنوك والمصارف، يقوم الرجل في الوقت الراهن بتحويل اهتمامه إلى تسليط الضوء على ما يصفه بأنه ''اضطهاد منظم للمسيحيين المصريين'' الذين يمثلون 10 في المئة من إجمالي سكان مصر· ويرى عدلي أبادير أن الأقباط المصريين الذين يمثلون أكبر أقلية في العالم العربي المسلم على الإطلاق، ليس لديهم صوت في الحياة العامة، ولا تمثيل يتناسب مع نسبتهم في المجتمع سواء في الحكومة أو الجيش أو البرلمان أو في دوائر صنع القرار· وربما كان عدلي أبادير على صواب بشأن الحقائق، ولكنه يرتكب خطأ جسيما في المنطق الذي يستخدمه·
بداية، ينبغي القول إن هناك عشرات الألوف من المصريين المسلمين واليهود قد تعرضوا للاضطهاد والاعتقال والتعذيب في مصر منذ انطلاق ثورة الثالث والعشرين من يوليو، التي قضت على الديمقراطية، وأدخلت البلاد في عصر جديد شهد ديكتاتوريات متعاقبة· فقد شهد عهد جمال عبدالناصر اعتقالات وعمليات تعذيب بشعة طالت الآلاف من أعضاء جماعة ''الإخوان المسلمين''، والشيوعيين المصريين، والاشتراكيين، والمثقفين، من ملل وأعراق شتى· ثم جاء بعده أنور السادات الذي قام بإخراج ''الإخوان المسلمين'' من المعتقلات والسجون وأحل محلهم الآلاف من الشيوعيين والاشتراكيين والمثقفين والعلمانيين· أما النظام الحالي، فإنه لا يفرق بين أحد وإنما يقوم بسجن الجميع·
بيد أن النظام الحالي في مصر سيرتكب خطأ جسيماً إذا ما اكتفى بوصم عدلي أبادير بأنه ''عميل أجنبي''، خصوصا وأن النظام كان قد ارتكب هذا الخطأ من قبل مع بعض المسلمين مثل الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير وصاحب مركز ''ابن خلدون'' الذي يدعو للديمقراطية والتسامح الديني· إن الموضوع هو الديمقراطية وحقوق الإنسان الخاصة بالآخرين بصرف النظر عما إذا كان هؤلاء الآخرون مسيحيين أم يهوداً أم ملحدين أم علمانيين·
إن أقباط المهجر عقدوا مؤتمرهم الدولي الأول في زيوريخ هذا العام، وهم على وشك عقد مؤتمرهم الثاني في العاصمة الأميركية واشنطن، والذي سيحضره بعض كبار المسؤولين الأميركيين ورجال الكونجرس وأعضاء مجلس الشيوخ· بمعنى آخر يمكن القول إن ''المسألة القبطية'' قد أصبحت الآن على الأجندة الأميركية، إلى درجة أن الأمر قد وصل إلى حد أن الرئيس المصري نفسه قد عدل عن زيارة الولايات المتحدة خلال العامين الأخيرين حتى لا يتورط في الجدل الدائر حول هذا الموضوع هناك· إذن يمكن القول إن هذا الموضوع يعتبر في غاية الأهمية بالنسبة لمبارك والأقباط على حد سواء·
والأقباط من جانبهم مطالبون بتحديد الشيء الذي يقاتلون من أجله· فهم يجب أن يحددوا مثلا ما إذا كنا نحن الأقباط نقف مع أو ضد حسني مبارك، لأننا خائفون من ''الإخوان المسلمين'' مثلا؟
يجب أن يحددوا أيضا ما إذا كانوا يفضلون أن يخلف جمال مبارك والده أم أنهم يفضلون شخصا آخر؟
يجب علينا أن نحدد أيضا ما إذا كنا سنقوم بتوحيد صفوفنا مع أقباط المهجر على الرغم من أنهم -أقباط المهجر- غير واضحين تماما بشأن الطريق الذي سيقودوننا إليه؟ أم أن الإجابة هي ''لا'' على كل سؤال من الأسئلة السابقة؟ يجب علينا ألا ننسى أن مصر هي وطننا الأصلي، وأنها دولة ذات تاريخ عريق يمتد إلى أكثر من 7000 عام، وأنها تفتخر بتراث الفراعنة والرومان والإغريق والمسلمين على حد سواء· إننا نناضل من أجل الحرية لجميع المصريين وليس للأقباط فقط·
إن عددنا قليل بدرجة لا تسمح لنا بالمطالبة بالهيمنة، ونحن أيضا نعتز بأنفسنا كثيرا وللدرجة التي لا تسمح لنا بأن نهجر جذورنا الراسخة على ضفاف النيل، وسواحل البحر المتوسط، والبحر الأحمر، وجبال شبه جزيرة سيناء الأرجوانية·
إن معبد الأقصر عزيز على قلبي وكذلك أديرة سيناء، وكذلك منظر الأفق القاهري الرائع الذي يضم منارات ما يزيد على ألف مسجد· إن آذان المغرب في شهر رمضان أثير إلى نفسي، مثله في ذلك تماما مثل أجراس الكنائس وشموع الصلوات· إن المصريين جميعا يحتفلون بالأعياد الوطنية لا فرق في ذلك بين مسلم ومسيحي· فهم يشاركون جميعا على سبيل المثال في الاحتفال بيوم شم النسيم وهو عيد فرعوني يوحد -مع غيره من أعياد- المصريين جميعا تحت راية واحدة بصرف النظر عن أصولهم العرقية·
لذلك يمكن القول إننا كأقباط نقف فقط مع مصر الديمقراطية· أما من الناحية الثقافية، فنحن فرعونيون ومقدونيون ومسلمون تماماً مثلما نحن أقباط· لقد حاربنا ضد الصليبيين الغربيين لأنهم غزوا بلادنا· ونحن لسنا في حاجة إلى اختبارات ولاء من جانب أحد مهما كان، لأننا لسنا ضيوفاً في مصر وإنما أصحاب بيت·
هذه هي الأسباب التي تحتم علينا عدم الانسحاب والانزواء في ''الجيتو القبطي'' الذي يريد عدلي أبادير أن يضعنا فيه، لأن ذلك سيجعلنا أقل كثيرا مما نحن عليه الآن بالفعل في مصر· هل أقباط مصر يعانون من مشاكل ''جدية'' في التمثيل السياسي أو من الشوفينية أو التعصب ضدهم؟ بالقطع لا ولكن السؤال الذي ينبغي أن نوجهه في هذا السياق ما إذا كان الوضع في هذا الشأن ناتجاً عن مناخ سياسي تقييدي أم عن شيء آخر؟
فنحن لو عدنا بالذاكرة إلى الوراء فسنجد أن الأقباط في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي كانوا يشغلون مناصب رؤساء الوزراء وكبار رجال البنوك· وفي ثورة عام 1919 ضد الاحتلال البريطاني شارك الأقباط بالآلاف في مسيراتها تحت شعار ''وحدة الهلال والصليب''· ولا يقتصر الأمر على التاريخ البعيد في بدايات هذا القرن، بل إننا نجد أنه في فترات أحدث كحرب أكتوبر المجيدة مثلا عام 1973 كان رئيس الجيش الثاني المصري الضخم الذي ألحق خسائر فادحة بإسرائيل قبطياً·
منذ فترة أصدر الإرهابي أبومصعب الزرقاوي عدة بيانات وجه فيها التحية للانتحاريين الذي قاموا بتفجير ثلاثة فنادق في العاصمة الأردنية عمّان مشدداً على أنه كان يستهدف من وراء تلك الهجمات قتل''الصليبيين واليهود''·
وكان الرد على بيانات ذلك الإرهابي سريعاً جداً حيث تدفق الآلاف من المسلمين الأردنيين إلى الشوارع وهم يهتفون بشعار واحد هو ''الزرقاوي عدو الله''·
التعليقات