سحر بعاصيري
قول صدام حسين في محاكمته انه لا يخاف الاعدام هو امر طبيعي لمن له تاريخه في الاستبداد والكبرياء والمكابرة. لكن قوله ان من يريد اعدامه هم الاميركيون والصهاينة أمر مستغرب، كأنه لا يعرف حقيقة شعور غالبية العراقيين.
ربما. فعندما كان في السلطة لم يكن يعرف لانه غير معني. هو العراق والعراق هو والباقي لا قيمة له الا بقدر ما يعزز هذه "الحقيقة"، واي انحراف عنها يعني نهاية المنحرِف الا اذا منّ عليه صدام بالرحمة. وحتى أجهزة المخابرات والامن التي حكم بها كانت تنقل بطشه ولا تنقل اليه حقيقة المشاعر منه لانها ايضا تخشى بطشه. هذا من احوال الاستبداد.
ثم سقطت بغداد وبدأ صدام رحلة التنقل من مخبأ الى آخر الى حين اعتقاله. لم يتسن له، ويا للاسف، ان يرى رد فعل غالبية العراقيين من العرب سنة وشيعة ومن الاكراد، على سقوطه وترحيبهم بالخلاص منه كابوسا ازيل من حياتهم.
فهل كان للمحاكمة ان تساهم في توضيح الحقيقة لصدام؟
لا ندري اذا كان فوجئ بما سمعه من روايات شهود عن مجزرة الدجيل التي يحاكم فيها. رأيناه يتهامس بين الحين والاخر مع جاره في قفص الاتهام. فهل كان يستوضح دقة الروايات او يقارنها بالرواية التي يعرف او بالاوامر التي اعطى؟
اذا كان يريد ان يعرف فلا يحتاج الى وقت طويل. يكفي ان يفكر وهو في المحكمة لماذا لم يستطع ان يرى الشهود، ولماذا قررت المحكمة حجبهم خلف الستار والتلاعب بأصواتهم ليفهم ان السبب هو الرعب المزمن المتمكن من العراقيين نتيجة فظاعة ما ارتكبه وما قد يرتكبه اتباعه. وليفهم تاليا ان لا حاجة به الى استحضار الاعداء المعروفين، الاميركيين والصهاينة، ليبرر مصيرا محتملا تتمناه له غالبية العراقيين.
صدام لم يكن يعرف وصدام لا يزال لا يعرف. انها مكابرة المستبد. فما دام كل ما استطاع قوله بعدما سمع الشهادات كان: "ان هذه الشهادات يا حضرة القاضي فيها اساءة الى تاريخ عمره 35 عاما بنينا فيه العراق بدمع العين".
صدام لن يعرف.












التعليقات