د.عمر عبدالعزيز


ما زال الوضع محتقناً في منطقة ldquo;صعدةrdquo; اليمنية، فقد تجدد القتال بين القوات الحكومية وأنصار حسين بدر الدين الحوثي الذي مات مقتولا منذ شهور خلت، لكنه وبرغم غيابه الفيزيائي ترك مصطلحاً سياسياً وخلف أنصاراً عقائديين، وتاهت قضيته بين أضابير الفرقاء في السلطة والمعارضة معاً، حتى إن (الحوثية) أصبحت تهمة يسارع في إطلاقها الجهلاء والدهماء ممن يعتقدون أنهم بهذا الصنيع يتوددون إلى السلطة ويرضون غرورها، غير أن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك، فالراحل (حسين بدر الدين الحوثي) ليس إلا إفرازاً طبيعياً لوضع محتقن، وللعبة سياسية استمرأت مصارعة الآخر بالآخر، ومناكفة الضد بالضد، ومحاصرة التخلف بالتخلف، فكان لا بد للظلام أن يسود، وللتطرف أن يقع.

فإذا كانت الحوثية السياسية تطرفاً مذهبياً أصولياً يرتقي إلى مستوى (الخروج) عن الحاكمية اتساقاً مع العقيدة الزيدية الهادوية التي تجيز هذا الخروج، فإن السلفية المقاتلة ليست أقل فداحة في خروجها عن الحاكمية ومقارعة الوضع الرسمي.

ويعرف الجميع في اليمن وخارجه أن المرحوم الشيخ (مقبل الوادعي) الذي تمترس في صعدة وكان سلفياً جهادياً لم يكن أقل خروجاً وتمرداً من المرحوم حسين بدر الدين الحوثي، فقد كان مقبل الوادعي يعتبر السلطة ومن يسايرها في لعبة التعددية السياسية مجموعة من المارقين والخارجين عن الدين(!!) ولقد اتسعت صدور أهل السلطة لمقولات وأفكار الوادعي لكنها ضاقت ذرعاً بالحوثي وشعاراته المناوئة لأمريكا وإسرائيل، فوقعت الواقعة وذهبت دماء اليمنيين هدراً، ومازالت متوالية الدماء والدموع تعيد إنتاج نفسها ساخرة من الحكمة اليمانية ومن سماحة الرئيس علي عبدالله صالح الموصوف بالصبر والتحمّل.

لقد تحولت الحوثية إلى ظاهرة تذكرنا بكامل المصطلحات السياسية العدمية التي ترافقت مع السيرة الواقعية والافتراضية لليمن السياسي، فلم نعد نعرف من هم الملكيون ومن هم الجمهوريون، من هم الطغمة ومن هم الزمرة، من هم الوحدويون ومن هم الانفصاليون، من هم الديمقراطيون والتعدديون ومن هم الكابحون المستبدون؟

التاريخ السياسي الموسوم بنزعة الحرب الداخلية الأهلية يتسع لمثل هذه المصطلحات، فلا بد من تبرير، ولا بد من إكساء المتاهة أثواباً مخملية، وبالتالي يتم تجويز حروب الملكيين والجمهوريين، أحداث يناير/ كانون الثاني في الجنوب، صدامات الشمال والجنوب، وأخيراً، وليس آخراً، حرب الوحدة والانفصال، وما نراه من استتباع في صعدة.

لهذه الأسباب مجتمعة، تتغير المسميات والجوهر واحد، ونتحدث عن الحوثيين في صعدة وهم في كل بيت ودار، ونقول باليمن الجمهوري وما زالت بعض تقاليد الملكية الإمامية تبسط نفسها رغماً عن الجمهورية والديمقراطية والتعددية السياسية وحقائب القوانين العصرية المجازة في البرلمان اليمني.

من المؤكد أن الماضي السلبي لا ينحسر تلقائياً ولكن من المؤكد أيضاً أن أسباب استمرار هذا الماضي السلبي ما زالت تتجول في أروقة المؤسسات الحكومية والبرلمانية، ولذلك، من الأجدى ألف مرة معالجة الأسباب قبل مجابهة النتائج.