.. مهرجان بغداد السينمائي من المغامرة الى اثبات الحضور

سامي عبد الحميد

كان في الخطوة التي اقدمت عليها مجموعة (سينمائيون عراقيون بلا حدود) باقامة مهرجان دولي للفيلم في بغداد الكثير من الجرأة وذلك بسبب عدم توفر الاجواء المناسبة لأقامة مهرجان من هذا النوع التي توفر المشاركة الفاعلة في البرنامج من فناني السينما في العالم وتوفر الاسترخاء اللازم للمتلقين كي يستمتعوا بما يشاهدون وايضا بسبب عدم توفر الرصيد المالي اللازم لتغطية النفقات من دون تقتير مع ذلك فقد استطاعت المجموعة المتطلعة الى اعادةالحياة الى الفيلم العراقي بعد سنين موته الطويلة، ان تهيىء قسطا من تلك الاجواء عندما اقامت مهرجانها في فندق المنصور(ميليا) البعيد نوعا ما عن الاخطار الأمنية، وبالتالي وفرت مجال الاسترخاء للمتفرجين واستطاعت بجهد فائق ان تحصل على عدد من الافلام الدراسية القصيرة من مصادر مختلفة وعدد آخر من الاقلام الوثائقية وكان منها ما هو بارز ومبدع. وكان لرعاية المركز الثقافي الفرنسي في بغداد للمهرجان دعما مشكورا ساعد على تفعيل برنامجه وبالتالي فقد اثبتت المجموعة الطموح حضورها في الساحة الثقافية العراقية هذه الايام التي ركنت خلالها الثقافة جانبا وتقدمت عليها السياسة وصراعاتها. وكان في هذه الخطوة ، بل ربما المغامرة، تحد شجاع لموجات العنف التي تؤذي العراقيين كل يوم ، وقد وضعت الحجر الاساس لا لمهرجانات سينمائية محلية ودولية قادمة لا بمشاركة اوسع وبأعلى مستوى حيث ان نجاح المهرجان سيشجع الكثيرين على دعم المهرجان فنيا ومعنويا وماديا فحسب، بل لبنة جديدة في بناء سينما عراقية جديدة تتقدم في انتاجها على ما انتج سابقا بعيدا عن القيود التي تحدد الابداع والابتكار وتحرر من التزامات التسييس ولا لجعل الفيلم السينائي في خدمة السلطة بل تحويله الى خدمة الفن والجمال والجماهير. لقد كان اسهام السينمائيين الشباب من دولةالامارات العربية المتحدة في مهرجان بغداد عاملا اساسيا في نجاحه حيث كانت افلامهم تتميز بالتنوع والتجريب وكان (طوي عشبه) من اخراج (وليد الشحب) والذي يعالج احتواء الحلم للواقع والواقع للحلم بصورة سينمائية جذابة في الوانها وحية في دلالاتها. وكان الفيلم الوثائقي الفرنسي (رسالة من الطابق الاعلى) للمخرج(اوليفر شيسلسلي) قد جعل من زحام المدينة بالعمارات ووسائل النقل وجموع البشر صورا نستقبلها في الواقع نستمتع بها على الشاشة واذا كان احد افلام (زينب) قد سجل رحيل الممثلة العراقية الكبيرة (فخرية اسعد عبد الكريم) بعيدة عن الوطن بعد ان هجرته لسنوات مرغمة غير مخيرة فماتت كمدا. فأن الفيلم الذي صور لنا مقابلة حية مع الشاعر والخطاط الرائع (محمد سعيد الصكار) مستعرضا رحلته القاسية خارج وطنه بعيدا عن سياط الجلادين مقدما دروسا فنية في الخط العربي وابتكاراته، كنا وكان الكثيرون من فناني العراق بحاجةاليها. اما الفيلمان التسجيليان عن حال العراقيين ابان اجتياح البلاد بعد التاسع من نيسان فكانا عينتين عشوائيتين لم يتضح فيهما موقف صانعيها وإن كانا قد عبرا فيها عن رفضهما للحروب ومآسيها وهذا موقف يتخذه الفنانون على اختلاف مشاربهم وحقول عملهم. بالتأكيد ستستفيد مجموعة (سينمائيون عراقيون بلا حدود) من تجربتهم الماضية وستحاول بل ستعمل على اقامة مهرجان مقبل افضل، ولكن ، ولكي تحقق طموحاتها، لا بد ان تمد لها ايدي المساندة اولا من جهة العاملين في السينما في العراق.. ونخص بالذكر الطليعة الشبابية فهم بالتأكيد سيشمرون عن سواعدهم ويشحذون مخيلتهم لانتاج افلام تتميز بالحدة والابتكار وتؤهلهم لمنافسة زملاء لهم من البلاد العربية والاجنبية، وثانيا من جهة المسؤولين عن الثقافة الذين عليهم ان يحتضنوا مثل هذه المبادرة الشجاعة التي جعلت من احد وجوه الثقافة العراقية مشرقا. وثالثا من جهة منظمات المجتمع المدني القادرة على تشجيع المشاريع الثقافية والفنية والتي لها مردود معنوي واضح . ورابعا من جهة رجال الاعمال والشركات التجارية يجعل المهرجان ومطبوعاته وسيلة للترويج لانتاجها وقابل الاسناد المالي لبرامجه وهنا يكفي ان نقول ان مهرجان القاهرة السينمائي ذلك المشروع الثقافي الكبير جدا يعتمد في تمويله على اسهامات مثل تلك الشركات. وبعد إلا تستحق المجموعة الجريئة والواثقة من حسن نياتها وجدة اهدافها والتي اقامت مهرجانا فنيا لم يكتف بعروض الافلام بل اقامت معرضا ممثلا للتصوير الفوتوغرافي واقامت ندوات فكرية نوقشت فيها اوراق عمل تقدم بها اكاديميو السينما بشأن عدد من المشاكل والطروحات السينمائية، اقول الا تستحق الثناء والتقدير من الجميع؟ ..... المجموعة التي لم تكن تمتلك إلا اخلاصها لفنها ولوطنها.

اكاديمي من العراق