كل الكتل النيابية التي إلتقت جلالة الملك تحدثت بالهم الاردني الضاغط والمـُلح بإستثناء كتلة «الإخوان المسلمون» فقد غلَّبت الهم التنظيمي الخاص على الهم الوطني وقد إنصب حديثها على أمور من المفترض ان الزمن تجاوزها وهي أمور بعيدة عن هموم الاردنيين وإنشغالاتهم وقضاياهم التي لها الاولوية في آناء الليل وأطراف النهار.
بينما كل الكتل النيابية، ومع هذه الكتل النواب المستقلون، وجدت في لقاء جلالة الملك فرصة للتشاور ولتبادل وجهات النظر حول قضايا الساعة التي تشغل بال الاردنيين وتؤرق ليلهم وفي مقدمتها الهم الاقتصادي وتعزيز الاصلاحات، التي قطع بلدنا على طريقها شوطاً طويلاً، وتجنب التأثيرات الجانبية لزلازل المنطقة والإقليم فإن كتلة «الإخوان المسلمون» إنفردت بموقف غريب عجيب لا يمكن وصفه إلا بأنه كالتغميس خارج الصحن وطرح قضايا عفا عليها الزمن وكان المفترض ان لا تطرح الآن ولا تثار مرة أخرى وبخاصة في هذا الوقت وفي هذه الظروف.
أول مسألة طرحتها كتلة «الإخـــوان المسلمون» هي حكاية «إبريق الزيت» القديمة فـ «إخوان» هذه الكتلة بدل ان يتحدثوا بهموم الاردنيين الراهنة وبالقضايا التي تشغل الشارع الأردني غلبوا الجانب الحــزبي والتنظيمي الخاص على الجانب الوطني العام وطالبـوا بإعادة قادة «حماس»، الذين باتت قضيتهم منتهية، والذين يجب ان تكون عودتهم الى فلسطين التي هي بحاجة إليهم والى جهادهم وكل لحظة من وقتهم وكل نقطة عرق من جباههم وليس الى الاردن الذي يضع كل ثقله الى جانب الشعب الفلسطيني الشقيق المتمسك بأرضه والذي يناضل من أجل الدولة المستقلة التي يستحقها.
وإذا كانت حــركة «حماس» تدخل الآن في حوار مع الأميركيين والأوروبيين، كما قال «اخوان» الكتلة الإسلامية، فإن هذا الحوار يجب ان يكون البوابة للذهاب الى فلسطين وليس الى المجيء الى الاردن أو الذهاب الى أي دولة عربية أو إسلامية أخرى ففلسطين هي الهدف والمفترض انها أغلى الأوطان والشعب الفلسطيني المكافح والمناضل هو الأحق بجهود هذه الحركة وأنشطة قادتها.
.. ثم لماذا تثير كتــلة «الإخوان المسلمون» هذه المسألة الآن...وهي تعلم علم اليقين ان قادة «حماس» إستجابوا لأول إشارة من السيد عبدالحليم خدام وحملوا أمتعتهم وحقائبهم وغادروا دمشق ثم أعلنوا انهم غادروا بمبادرة ذاتية وبمحض إرادتهم حتى لا يحرجوا سوريا «في هذه الظروف العصيبة»..؟!
هل لا يستحق الأردن ما تستحقه سوريا التي لا يجوز إحراجها والتي نحن مع عدم إحراجها والتي تكفيها مشاكلها الأخرى التي تزنرها من الشرق والغرب أعانها الله... لماذا تريد كتلة في البرلمان الاردني إحراج بلدها من خلال نبش قضية منتهية ويؤكد أصحابها المعنيون مباشرة بأنهم غادروا دمشق طواعية وكمبادرة ذاتية لأنهم لا يريدون إحراج دولة شقيقة في أوقات قاسية وظروف صعبة..؟!.
هل المقصود هو إحراج الأردن وإفتعال مشاكل له مع القيادة الفلسطينية ومع العالم وإقحام الساحة الاردنية في خلافات جانبية وثانوية على حساب القضايا الرئيسية وفي مقدمتها دعم فلسطين والسلطة الوطنية ورئيس السلطة الوطنية..؟!
إن هذه هي القضية الأولى التي طرحتها وتحدثت بها كتلة «الإخوان المسلمون»، أمام جلالة الملك، اما القضية الثانية، حسب ما نشرته بعض الصحف وما قيل ويقال، فهي المطالبة بتطبيقات لا يمكن ان يُفهم تطبيقها الآن وفي هذه الظروف ألا بأن الأردن، الذي قطع شوطاً طويلاً على طريق الحداثة والإصلاح والدخول في الألفية الثالثة والقرن الواحد والعشرين قد إنكفأ وعاد الى تجربة حركة «طالبان» وتعاليم الملا عمر... وإلزام الرجال بتطويل ذقونهم بمقدار «قبزتين» وإعتبار المرأة عورة من أخمص قدمها وحتى ذروة رأسها وحشر النساء في أكياس زرقاء على الطريقة الأفغانية في العهد البائد وحرمانهن من المدارس والجامعات وعدم التردد في جلدهن بالكرابيج في الشوارع وإطلاق الرصاص عليهن في ساحات الإعدام.
كل الإحترام والتقدير لحركة «حماس» وقادتها وجهادها ولكن ليس هنا في الاردن وإنما هناك في فسطين.. ثم وإن الاردن الذي يعتز بالإسلام العظيم والذي هو حامل رسالته الخالدة ضد أن يأخذ في أنظار العالم هيئة «طالبان» واساليبها وضد كل ما يشوه هذا الدين العظيم وكل ما قد يظهره في عيون الآخرين على أنه ممارسات «طالبان» وتعاليم الملا عمر وإرهاب «القاعدة» وأسامة بن لادن.
التعليقات