الخليج: الخميس: 21. 07 . 2005


“ذَللْ نفسك بالصبر، على جار السوء، وعشير السوء، وجليس السوء، فإن ذلك مما لا يكاد يُخْطئك”

(ابن المقفع مطلب: 59 الأدب الكبير)


في أزمة عدم الشفافية العربية الإسلامية، اختلف القوم في شؤون عبدالله بن المقفع، الفارسي الأرومة، سليل الأكاسرة، فقال نفر من العرب: إنْ هو إلا متسلل الى العروبة، بعدما تعرّب في العراق، فأجاد لغة العرب وآدابها، وترجم من الفارسية والهندية أجمل حكم الفرس وفلسفات الهنود، فجعل منها أسلحة ليدخل الى الجسد العربي بسلاح عربي أصيل: اللغة العربية.

ورأى فريق آخر من العرب، أن هذه نعرة عنصرية باسم معاداة الشعوبية، وان الرجل تعرّب، فأفاد أهل زمانه بعلمه وأدبه، وانه لو أراد السلامة لبقي في دكانه، كما فعل غيره، فأثرى ذهباً، واغتنى ضياعاً.

وهكذا تكسرت الأقلام على الأقلام، في شأن هذا الرجل الذي لا ينكر فضله على اللغة العربية، إلا جاحد، ولا ينقص من منزلته على الثقافة العربية إلا جاهل. وحسب الرجل انه اختار أصعب المواقف: تقليص المسافة بينه وبين الحاكم، فاستحق بذلك حسد العامة، وبغض الخاصة، وجهل بعض الحكام الذين قادوه الى طريق التهلكة.

هو خلاصة مُزكّاة لوضع المثقف العربي، باصطلاح اليوم، في تلك الأيام الماضيات. ولعل تفكيك المطلب “59”، يقدم للسياسي مأربه، وللتاجر غرضه، وللعالم مناله، ولرجل الشارع مناه، لأنه يناقش الصبر، وما ادراك ما الصبر؟ فإذا أردت معرفة الصبر، فارجع الى القرآن الكريم، وكفى به شهيداً!

وهو يقول: “الصبر صبران: صبر المرء على ما يكره، وصبره عما يحب”... و”الصبر على المكروه أكبرهما وأشبههما ان يكون صاحبه مضطراً”.

والنص، اي نص، يُفسّر بنفسه، أو بتراث قائله، أو بالنصوص المعتبرة التي سبقته، او “بالاستقراء”، وهذه طريقة العلامة محمد باقر الصدر، الذي قتله “الدكتاتور” العراقي المهزوم.

ولقد صبرت على جار السوء، فاعتبرت نفسي أنني لم أجاوره، فأبقيت لديه شيئاً من خلال البشر الأسوياء. وصبرت على عشير السوء، فأنا أنلته اذناً غير واعية والقلب في صمم، وصبرت على جليس السوء بقولي، ناقلاً قول الله تعالى: “إن الله مع الصابرين”!

[email protected]