علي سعد الموسى

يصعب على النسق الاجتماعي السعودي حتى - الإنتلجنسيا - منه أن يستوعب المبررات والدوافع التي حدت بالسيد عبدالحليم خدام أن يخرج منشقا عبر قناة العربية، شاهدته مع نفر ثقافي من الأكاديميين وكانوا بين مندهش وبين من يصفه بالخيانة الوطنية ومنهم أيضا من رآه - ترسا - داخل ملعوب قادم لقوى أجنبية. تنطلق رؤية - السعودي - للقصة من نقطة الدهشة ذاك أننا وللحق والتاريخ، نعيش تحت نظام واقعي وعقلاني لا يحبذ العنتريات ولا الدخول في مغامرات محسوبة أو غير محسوبة. والحق أيضا أن دوافع انشقاق خدام لم تكن هذه ولا تلك التي سمعتها من زملائي تعقيبا على المقابلة وهي تشارف على الانتهاء. أولا، فالرجل على أبواب السبعين من العمر ينظر للأمر من نفس تستشعر الخوف لأعصاب لا تحتمل دخول مغامرة، ربما أنه بالخطأ استشرف القادم وظن أن سيناريو العراق سينتقل بالكربون إلى سوريا ولهذا هرب بجلده قبل أن يجد نفسه في ثياب طه ياسين رمضان، وفي مواجهة القاضي والمحكمة، ثانيا، ربما أن الرجل وجد نفسه في مواجهة إخراج مسرحي سوري تجاه الأحداث على غير الشكل الذي اعتاده مع طوائف الحرس القديم، ولهذا لم يتحمل قواعد اللعبة. عمل خدام مخضرما بين فريقين: قديم يحرك اللعبة مثلما يحركها لاعب الشطرنج ويصل للهدف بالبرود، وبالأقل من الأخطاء ونظام جديد يتعامل مع ذات اللعبة على طريقة - تنس الطاولة - المتسارعة بخطة بالغة الرداءة.
ولأن النظام السوري اليوم يتعامل مع الأحداث بطريقة - تنس الطاولة - التي لا تسمح بالتقاط الأنفاس، فإنه يصعب عليه أيضا التقاط الإشارات الجوهرية التي قالها خدام في المقابلة، أولها أن يغضب عليه ولكن أن يشكره، وثانيها أن يشكره لأنه برهن على خطأ الإخراج المسرحي للحبكة والقصة، ما بين مقابلة خدام وجلسة مجلس الشعب تكتشف الفارق في التقاط الإشارة.
تكتشف أن رأس النظام أصبح محاصرا مخنوقا لا بسبب تصريحات خدام المثيرة جدا للجدل، بل بسبب تعليقات أعضاء المجلس الذين يتصرفون كجوقة عمدت إلى تعرية النظام وهي تدعي مساندته ومن المجموعة التي تحيط بمعصم رأس النظام وأصبح أسيراً لها. وفي المجمل، لمن يعرف قراءة النص فقد كان حديث خدام من رأس النظام برؤيتين: الأولى، أنه يفتقد للتجربة ولهذا يظهر ساذجا سطحيا زد على ذلك أنه يظهر بفورة شبابية اندفاعية في بلد هو الأحوج بين كل أنظمة الكون للتهدئة. الثانية، أن المجموعة التي تعمل حول رأس النظام تمكنت من ربطه معها بسلاسل قد تجعل من التضحية به أمرا مستحيلا وهنا ستدخل سوريا نظاما بالتحديد إلى مرحلة مختلفة سيظهر معها خبر انشقاق خدام مجرد مزحة ثانوية. ذاك أن الهارب القادم، وهو قادم بالتأكيد سيكون من داخل السلسلة ومن أحد جواهر - السوار - الذي يلتف حول المعصم وهو ما أراهنكم عليه. فقط مزيد من الوقت لنعود إلى كارثة جديدة على شاشة العربية.