صالح القلاب
إهتمام الإعلام العربي، وبخاصة الفضائيات، بمرض رئيس الوزراء الاسرائيلي إرييل شارون واحتمال وفاته الذي لا يقل عن الاهتمام بمرض واحتمال وفاة رئيس أي دولة عربية رئيسية، يدل على النضوج وعلى تطور الفهم لتداخلات الصراع في هذه المنطقة ويدل أيضا على الواقعية وعلى غروب تلك المرحلة العمياء التي كان غير مسموح فيها حتى ذكر إسم laquo;إسرائيلraquo; فهي laquo;دويلة العدو الصهيوني المسخraquo;!!.
كان العرب في السابق يكتفون بالشتم والصراخ وكانوا بإستثناء إستثناءات قليلة لا يعيرون الواقع الاسرائيلي الداخلي أي إهتمام ويعتبرون كل الاسرائيليين، حتى بما في ذلك الاطفال والنساء والشيوعيون وفوق هؤلاء كلهم laquo;عرب 48raquo; ، شيئا واحدا وذلك مع ان الحديث النبوي يقول : laquo;من عرف لغة قوم أمن شرهمraquo;.
.. حتى الآن، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على قيام إسرائيل في خاصرة الوطن العربي الرئيسية، فإن العرب حتى المثقفين منهم، لا يعرفون كبار الكتاب والروائيين والشعراء الإسرائيليين ولا يعرفون الإبداعات الفنية العظيمة لأجيال متعاقبة من المبدعين الاسرائيليين والحجة ان الجميع رجس من عمل الشيطان يجب اجتنابهم ويجب عدم الاهتمام لا بخيرهم ولا بشرهم.
لم يعرف العرب كم ان هذه الدولة متقدمة في مجال الطب وفي مجال الزراعة والتقنيات إلا مجددا وحتى الآن فإن هناك من لايزال يعتبر من إضطره مرض عضال بالذهاب الى أحد المستشفيات الإسرائيلية laquo;خيانة عظمىraquo; وأن هناك من لايزال يرفض ان يقرأ أي صاحب إختصاص كتابا علميا أو سياسيا أو إقتصاديا مؤلفه إسرائيلي وهذه جهالة جهلاء وقيم تعود الى العصور الوسطى وقبل ذلك.
ربما يذكر من إشتعلت رؤوسهم بالشيب ان رد الشارع العربي المصاب بالصدمة والإحباط على الهزيمة النكراء في يونيو ( حزيران ) العام 1967، التي لانزال ندفع ثمنها حتى الآن، كان بمقاطعة اللغة الانكليزية وبإزالة الارقام التي يعتبرونها انكليزية عن لوحات السيارات مع ان هذه الارقام هي الارقام العربية وان الارقام التي نستخدمها الآن ونصر على إستخدامها أرقام هندية.
إنها ضرورة ملحة ان يكون هناك إهتمام زائد بمرض إرييل شارون وإحتمال وفاته وكالإهتمام بمرض أي زعيم عربي وإحتمال وفاته فإسرائيل شئنا أم أبينا جزء من هذه المنطقة ولذلك فإن أي تطور سياسي أو عسكري أو أمني أو علمي أو فني أو زراعي او صحي فيها لابد وان ينعكس على الشرق الاوسط كله بكل دوله إن بصورة إيجابية أو بصورة سلبية.
إن غياب شارون أو إضطراره لإعتزال السياسة أكثر من مهم بالنسبة لهذه المنطقة وان الأهم من هذا كله هو ألا يتوقع أي كان أن يؤدي مثل هذا الغياب ومثل هذا الاعتزال الى إنهيار الدولة الاسرائيلية أو نشوب حرب أهلية أو إنقلاب عسكري فيها فهذه الدولة دولة مؤسسات.. وديموقراطية إسرائيل حقيقة راسخة نتمنى ان تنتقل عدواها الى الدول العربية كلها والمعروف ان رحيل الزعماء الكبار في المجتمعات الديموقراطية ربما يؤدي في بعض الأحيان الى بعض الارتباكات المحدودة لكنه وفي كل الأحوال لا يؤدي الى أي إضطرابات أو زلازل أو تغييرات laquo;دراماتيكيةraquo; !! على غرار ما يجري في بعض دولنا وفي بعض دول إفريقيا وأميركا اللاتينية.
التعليقات