الأربعاء:11. 01. 2006

عبد النبي سلمان


ربما لم يكن مفاجئا أن تتداعى الأمور على الجبهة السورية لتصل للدرجة التي وصلت اليها الاسبوع المنصرم بعد تصريحات نائب رئيس الجمهورية السابق عبدالحليم خدام، فالملف السوري وكما نعلم، ظل على الدوام ملفا حاضرا ومفتوحا لمختلف التوقعات، إلا انه بكل تأكيد ازداد حضورا بعد جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الراحل رفيق الحريري في شهر فبراير/شباط من العام المنتهي وما تبعها من تحولات خطيرة وكبيرة وتفجيرات واختلالات أمنية على الساحة اللبنانية لن تكون تصريحات خدام إلا أولى نتائجها التي نستطيع أن نقول وبكل وضوح إنها مرشحة لأن تكون نقطة الانحدار بالنسبة للنظام السوري الذي ظل رافضا لدعوات التغيير والاصلاح من الداخل التي ربما كانت مجدية بعض الشيء في حينها لإنقاذ الوضع الداخلي وتحصينه من القوى المتربصة به، فيما لو تم الاصغاء جيدا للنصائح الكثيرة في هذا الشأن والداعية الى ابعاد سوريا والنأي بها قدر الامكان عن الدخول في متاهة ما يخطط لها من قبل القوى التي لديها معها من الخصومات والحسابات المؤجلة مايكفي للانقضاض عليها وهي التي وضعت مباشرة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول ضمن مثلث الارهاب وفقا للمعايير الامريكية.

حقيقة كان أمام النظام السوري فرصة وحيدة ربما لو عرف استغلالها عن طريق التركيز على أوضاعه الداخلية ذات الاشكاليات المتعددة والتي توزعت بين ملفات الاستحقاقات السياسية الملحة والقيام بإصلاحات سياسية وإجراء تحول ولو مقبول بالنسبة لملفات حقوق الانسان المتدهورة ولأوضاع البلاد الاقتصادية والتي اكتفى النظام طيلة السنوات الطوال بالحديث عن تراجعها فقط لأسباب ترتبط بقدر سوريا باعتبارها دولة مواجهة وحيدة من بين مجموعة دول ما اصطلح على تسميته لاحقا بدول الطوق عوضا عن دول المواجهة بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد المشينة.

لقد مثل خروج عبدالحليم خدام الذي أعلن عن تنحيه عن كل مناصبه الرسمية والحزبية منذ مطلع يونيو/حزيران من العام الماضي، حيث انقلب بكل ما يمثله من ثقل ودور في المعادلة السورية على النظام الذي شارك هو في صناعته طيلة أكثر من ثلاثة عقود مضت، حيث كان عرابا أساسيا في صياغة سياسات النظام السوري ليس فقط بالنسبة لعلاقاته مع العالم الخارجي كما حاول افهامنا خلال مقابلته التلفزيونية، إنما أيضا بالنسبة لسياساته ولأوضاعه الداخلية أيضا نظرا للمواقع والمناصب التي تبوأها طيلة عمله في داخل مطبخ القرار السوري بكل ما احتمله من أخطاء ونجاحات، وانكسارات وصعود وتراجعات.

أما والحال قد انقلب الى الضد من كل ما جرى ويجري في سوريا وما تتعرض له الآن من انتقادات دولية وعربية واسعة بعد انسحابها المذل من لبنان كما أسماه خدام ذاته مهندس الوجود السوري في لبنان طيلة تلك السنوات الحافلة، فيحق لنا عدم الركون فقط الى ما اعتدنا عليه نحن العرب وباستمرار من اهانات وتخوين وازدراء واتهامات بالفساد والتعامل مع مخابرات الأعداء لكل من ارتأوا أن يمارسوا ذلك النوع من الفضح لكل سياسات أنظمتهم البائسة حتى وإن جاءت في الوقت الضائع كما يقال، فذلك غير كاف بالمرة لاتهام أو حتى تبرئة ساحة من هم في موقع الاتهام هذه المرة من قبل حلفائهم ورفاق دربهم الطويل.

ان القضية تحتاج الى أكثر من ذلك، وليس من المتعذر فهم ما يجري هناك، فردّات فعل مجلس الشعب السوري على ما جرى جاءت متناغمة مع ما قاله خدام في مقابلاته التلفزيونية والصحافية بعد خروجه من سوريا، وكذلك الحال مع تصريحات كبار المسؤولين هناك الذين كانوا قبل ذلك يعتبرون خدام أحد كبار رموزهم الوطنية رغم خروجه من دائرة القرار حيث لم نسمع نقيضا لذلك أو اتهامات بالعمالة أو التخوين لنفاجأ بالمطالبة بنزع الألقاب والأسماء والحديث عن صفقات فساد وعمولات ورشى وأخيرا الطرد من الحزب الذي يفترض أن يكون مسؤولا مباشرا عن ابقائه على من يفترض فيهم كل تلك المساوئ والتي لم نسمع يوما عن محاسبة علنية على الأقل لأي من تلك الرموز والأسماء. فقط سمعنا عن عمليات انتحار أو نحر لكبار مسؤوليه السياسيين والأمنيين والتي كان آخرها انتحار رجل سوريا القوي في لبنان اللواء غازي كنعان دون أن نسمع حتى عن متابعات مفترضة لعملية الانتحار المزعومة تلك.

ومن جهته لم يبخل علينا خدام بالإفصاح عن حتمية تهاوي النظام السوري وعدم إمكانية اصلاحه كما قال بل ازالته من الوجود نهائيا، مبينا انه كان لديه مشروع سياسي منذ أيام رئاسة الرئيس الراحل حافظ الأسد لإنقاذ سوريا ولم يتم الأخذ به، وإن هناك تصدعا في جبهة سوريا الداخلية جراء سياسة العزل التي اتبعها النظام مع مناوئيه طيلة العقود الماضية.

إذاً غاية القول ان كل ما جرى ويجري الآن جراء هبوب رياح التغيير التي تسود العالم الذي من المفترض أن نكون جزءا فاعلا فيه يجب ألا ينحصر في مجرد فضح ممارسات الانظمة أو مماحكة ما قاله خدام وما قاله أعداؤه الجدد رفاق الأمس، أو ما تقوله المعارضة العراقية اليوم وما قاله رفاق صدام حتى وهم في داخل قفص الاتهام، فتلك قضية باتت مفهومة بل ومحسومة منذ زمن، ولكن ما يجب أن نقره وبوضوح هو أن تلك المآسي التي أضحت تترى واحدة تلو الاخرى مع التداعي الحاصل للأنظمة وللسياسات في محيطنا العربي والتي أمعنت في اضاعة استحقاقات شعوبها وكانت سببا رئيسيا في تخلفها على كل المستويات، أنها أنظمة ليس باستطاعتها أن تقدم جديدا لشعوبها وأمتها مهما ادعت وأكثرت من الحديث حول عروبتها وتقدميتها وديمقراطيتها وحتى اشتراكيتها أحيانا أخرى؟

الغاية لا تكمن فقط في زوال أو بقاء حزب البعث أو بقية الانظمة الفاسدة كما يعتقد البعض، وإنما في أن تسهم شعوبنا بفاعلية وحراك ايجابي في ايجاد البديل الديمقراطي الحقيقي القادر على تحمل مسؤوليات النهوض والتقدم بمجتمعاتنا بدلا من ممارسة الدجل الى ما لا نهاية على حساب مصالح الشعوب المنهكة جراء تلك السياسات والممارسات والتي لم تعد حكرا على أنظمة الحكم لوحدها وانما أصبحت نهجا ممارسا حتى لدى بعض فئات وشرائح قوى المعارضة أيضا.

[email protected]