الإثنين:16. 01. 2006

تركي علي الربيعو

عادة ما يعكف المثقفون في خريف العمر وأحياناً في اللحظات الأخيرة على كتابة سيرة حياتهم، يقولون فيها ما عجزوا عن قوله وهم في ربيع العمر، أما السياسيون الذين قد يعتزلون العمل السياسي في ربيع العمر أو يُعزلون، فهم سريعاً ما يعكفون على كتابة مذكراتهم، فالرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون كتب مذكراته تحت عنوان ldquo;حياتيrdquo; تحدث فيها عن الرئيس عرفات ومفاوضات اللحظة الأخيرة ولكنه ظلّ منحازاً للرؤية ldquo;الإسرائيليةrdquo;، وراح دينيس روس يروي مذكراته عن ldquo;السلام المفقودrdquo; وكيف تفانى وهو اليهودي المتهم بانحيازه ل ldquo;إسرائيلrdquo; في السعي إلى انجاز السلام، وجاءت ذكريات هانز بليكس الدبلوماسي السويدي الذي عمل رئيساً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتثبت أن الإدارة الأمريكية اختارت الغزو بدلاً من التفتيش، وأنها كانت تنتظر بفارغ الصبر فشل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، لتبرير عدوانها على العراق.

في هذا السياق، الذي يكشف أموراً حجبها الإعلام الأمريكي، تأتي مذكرات حاكم العراق السابق بول بريمر التي قالت عنها صحيفة ldquo;الديلي تلجرافrdquo; والتي لخصت بعض محتوياتها، أنها ستصدر بعد أسبوع.

كثيرون هم الذين يتذكرون بريمر، والي العراق في السنة الاولى من الاحتلال، الذي جعل العراق نهباً للصوص وقطاع الطرق والشركات عابرة القارات التي يديرها رجال يتبوأون أعلى المناصب في الإدارة الامريكية الحالية. بريمر الأنيق وصاحب الخف العسكري الذي ساعده في الهرولة سريعا عند هروبه من العراق، مع أن تاريخ العراق الحديث سيرتبط ب ldquo;قانون بريمرrdquo; الذي ما زال يثير جدلاً عند المتخاصمين حول الغنيمة العراقية.

كان من المتوقع لرجل حكم العراق في السنة الاولى من الاحتلال ثم ذهب إلى غياهب النسيان في أمريكا، أن يتكور على نفسه ليكتب ذكرياته عن العراق، في أدق مرحلة تتمثل في عودة الاستعمار إلى الأرض العربية، واللافت للنظر في باكورة مذكراته التي لخصتها ldquo;الديلي تلجرافrdquo; اللندنية، أن الرجل مثل الكثيرين من صقور الادارة الامريكية ومحافظيها يعتبر الحرب الأمريكية على العراق عملاً نبيلاً جاء ليحرر العراق من الدكتاتورية، وينشر رسالة ldquo;الامة الامريكية الخالدةrdquo; إلا أن الرجل يسجل في مذكراته التي تحمل عنوان ldquo;عامي في العراق: المعركة لبناء مستقبل الأمةrdquo; أمرين جديرين بالمتابعة، ف ldquo;واليrdquo; العراق لا يكتفي بإدانة سلوك ومعرفة الإدارة الأمريكية بالعراق، بل يعيب على المعارضة العراقية التي دخلت العراق على ظهر الدبابة الأمريكية خورها وعجزها عن إدارة أبسط الامور، فكيف تستطيع إدارة الدولة؟.

من وجهة نظر بريمر، أن الأمريكيين ذهبوا إلى العراق وهم على جهل بما جرى فيه من آثار مدمرة نتيجة الحصار الذي فرض على العراق لمدة عشر سنوات، من دون أن يرى فيها العراق أي بصيص أمل، أو أي ضوء في نهاية النفق، وأنهم كانوا يفتقدون لأية خطة بشأن العراق بعد الاحتلال، بشأن إدارته أو إعادة إعماره من جديد، والأهم من كل ذلك، سيادة التخبط والاحتكام الى التجربة والخطأ فيما يتعلق بالمقاومة العراقية الآخذة في التنامي، والتي يعود بها بريمر كما يروي إلى جهود النظام العراقي السابق في تدريبها وإعادة تنظيمها وبناء خلاياها السرية، وكما تشير إلى ذلك بعض الوثائق السرية التي عثر عليها. من هنا ليس غريباً غياب أية استراتيجية أمريكية لمواجهة المقاومة في العراق كما يرى.

يدرك بريمر أنه كان ldquo;كبش فداءrdquo; الأزمات، ولذلك فقد أراد لمذكراته وكما هي العادة، أن تبرأ ساحته من أفعال كبرى، فحل الجيش العراقي لا يعود له كما يذكر، بل قام به نائب وزير الدفاع آنذاك بول وولفووفيتز، وغياب استراتيجيته لإدارة العراق سببه عدم سماع الإدارة الأمريكية لنصائحه، إنه يبرىء ساحته من كثير من الأفعال ولكنه لا يقنعنا هذا السيىء الذكر، كيف نهب العراق في زمنه، وكيف تم توزيع المحاصصات على القوى ما قبل الدولتية، وكيف جاء قانونه السيىء الذكر المعروف باسمه ليمهد الى تقسيم العراق؟ أسئلة كثيرة لا تجيب عنها المذكرات التي يراد لها تبرئة كبش الفداء هذا، مع أن واقع الحال العراقي يدينه حتى لو كتب ألف ذكرى وذكرى