جدل برلماني حول أداء أمير الكويت القسم الدستوري

الكويتـ محمد العجمي، الحسيني البجلاتي:

تباينت آراء اعضاء مجلس الامة الكويتي (البرلمان) الذي اجتمع امس في لقاء تشاوري ترأسه رئيس البرلمان جاسم الخرافي وحضره 41 عضوا، لبحث اجراءات ترتيب الجلسة الخاصة المقررة لأداء أمير الكويت الجديد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح اليمين الدستورية، حيث لم يتوصل النواب الى قرار حاسم بموعد عقد الجلسة التي كانت مقررة غدا ldquo;الاربعاءrdquo; ومن المحتمل تأجيلها في ضوء هذا الخلاف الى يوم السبت المقبل او الاثنين وهو الموعد المقرر للجلسة العادية.

وأكدت مصادر مطلعة لـ ldquo;الخليجrdquo; ان تباينا كبيرا في وجهات النظر بدا واضحا بين النواب اذ اصر عدد كبير منهم على أداء الامير اليمين القانونية كاملة امامهم، في حين طالب البعض الآخر باعفائه من تلك المهمة او تخفيفها عليه بأداء نصف القسم فقط نظرا للحالة الصحية الصعبة التي يمر بها والتي تحول دون تمكنه من أداء القسم كاملا.

الفريق المؤيد لضرورة اداء الامير للقسم كاملا دعم وجهة نظره بتأكيد ان المادة (60) من الدستور تنص صراحة على أداء الامير للقسم حتى يصبح قرار المناداة باسمه اميرا ساريا، وقالوا ان القسم لا يتجاوز سطرين ونصه: ldquo;اقسم بالله العظيم ان احترم الدستور وقوانين الدولة، وأذود عن حرية الشعب ومصالحه وأمواله، وأصون استقلال الوطن وسلامة اراضيهrdquo;.

وأضافوا ldquo;اذا كان الامير لا يستطيع من الناحية الصحية اداء القسم فكيف سيكون قادرا على تحمل مسؤولية البلاد في المرحلة الحساسة التي نمر بها حالياrdquo;.

الفريق المؤيد لعدم ضرورة اداء الامير للقسم برر موقفه بقوله: ldquo;انه يريد تسهيل المهمة على الامير مراعاة لوضعه الصحي، وأن الهدف هو تأكيد الانتقال الفعلي والسلس للسلطة في هذه المرحلة الحرجة من دون التوقف امام النصوص الدستورية بحرفيتهاrdquo; مؤكدا ان هناك سابقة في هذا الامر قام بها الامير السابق الشيخ عبدالله السالم عام 1962 عندما تشكل اول مجلس للأمة وكانت ظروفه الصحية سيئة فقرأ أول جملة من القسم وهي ldquo;اقسم بالله العظيم ان احترم الدستورrdquo;.

رئيس البرلمان جاسم الخرافي قال بعد انتهاء الجلسة التشاورية انه لم يتسلم حتى الآن قرار مجلس الوزراء الخاص بمناداة الشيخ سعد العبدالله اميرًا للبلاد. وقال في تصريحات ذات مغزى ان حالة الامير عبدالله السالم تختلف عن حالة الشيخ سعد لأن مجلس الامة تشكل وكان السالم اميرا بالفعل للبلاد، ولم يكن بحاجة الى أداء القسم، عكس الحالة الحالية فالدستور يلزم الامير بأداء القسم امام النواب.

ورفض النائب الاسلامي الدكتور وليد الطبطبائي تحديد موعد نهائي لجلسة أداء القسم، وقال: قد تكون غدا الاربعاء او الاسبوع المقبل، وقال قد تتحول من جلسة خاصة الى سرية لتمكين الامير من أداء القسم من دون ان يتسبب ذلك في ايذائه صحيا، وأكد ان النواب اختلفوا ولم يتوصلوا الى قرار نهائي، وقال ان الموضوع برمته متروك للمناقشات التي ستجرى خلال الايام المقبلة.

وطالب النائب علي الراشد بضرورة احترام الدستور الذي ينص في المادة (60) على أداء الامير للقسم، وقال: ldquo;لا اجتهاد مع نص دستوري واضح لا غموض فيه، وعلينا جميعا احترام الدستور وعدم القفز عليهrdquo;.

وفي الوقت الذي تتلقى فيه الأسرة العزاء، توقعت مصادر مطلعة أن تحسم الأسرة الحاكمة خلافاتها سريعاً بشأن اختيار ولي العهد الجديد ورئيس الوزراء في حالة تسمية الشيخ صباح الأحمد وليا للعهد، وأكدت ل ldquo;الخليجrdquo; أن الأمير الجديد الشيخ سعد لن ينتظر الفترة المقررة له في الدستور لاختيار ولي العهد الجديد وهي عام كامل وذلك لسببين الأول سوء حالته الصحية، التي تتطلب ضرورة وجود ولي للعهد يسد الفراغ الدستوري في حالة اصابته بأي مكروه، ويتحمل مسؤولياته خلال المرحلة المقبلة، والثاني حسم الخلاف في أوساط الأسرة الحاكمة لأن أي تأخير في الاعلان عن اسم ولي العهد سيبقى الخلافات تحت السطح طمعا في حسم كل فريق المنصب لمصلحته.

وطبقاً لجميع المعلومات المؤكدة حتى الآن، والتي تفيد بتصعيد الشيخ صباح الأحمد للجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة مجلس الوزراء، قامت ldquo;الخليجrdquo; باستطلاع آراء فعاليات سياسية وبرلمانية في هذا الطرح.

أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت الدكتور ابراهيم الهدبان أكد أن الانتقال السلس للسلطة قد حدث بالفعل وبسرعة مدهشة وقبل أن يوارى جثمان الأمير الثرى، وقال: ldquo;كان قرار مجلس الوزراء حاسماً وسريعاً بمناداة ولي العهد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح أميرا للبلاد، حيث جاء القرار منسجما مع الدستور والقانون وليسد الباب على أية خلافات قد لا تتحملها البلاد في حالة حدوث أي فراغ دستوري حالياً، أما بالنسبة لولي العهد الجديد، فلا تزال أمام الأمير فرصة عام كامل لاختياره وليس بالضرورة اختياره في الوقت الراهن، والتخوف الوحيد من ذلك هو حدوث أي مكروه للأمير ومنصب ولي العهد شاغراً، لذلك أفضل ان تحسم الأسرة خلافاتها سريعاً وتستقر فيما بينها على من يشغل هذا المنصب.

وأكد الهدبان ان الفصل بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء أكثر ملائمة للأوضاع السياسية في البلاد، وقال: ldquo;جربنا الجمع بين المنصبين منذ الاستقلال عام ،1961 وحتى يوليو/تموز 2003 عندما تولى الشيخ صباح الأحمد مسؤولية الوزارة، ورغم ان التجربة لم يمض عليها سوى عامين ونصف العام ولا نستطيع اعطاء آراء قاطعة بشأنها لكنها من الناحية النظرية أفضل كثيراً ذلك لتمكن البرلمان من مساءلة رئيس الوزراء ووزرائه بكل حرية، عكس الوضع الذي يكون فيه ولي العهد هو رئيس الوزراء، ذلك لخشية او تحرج البعض من مساءلته باعتباره أمير المستقبلrdquo;.

ورأى الهدبان أن اختيار رئيس وزراء من غير أفراد الأسرة الحاكمة أمر سابق لأوانه، وقال ldquo;هذا الأمر مؤجل على الأقل في المرحلة الحالية، وذلك حتى تنضج التجربة السياسية في البلاد ويسمح بتحويل التكتلات السياسية إلى أحزاب، وتجري الانتخابات البرلمانية على أسس سياسية وحزبية وليست شخصية أو عشائرية، يمكن ساعتها التفكير في هذا الأمرrdquo;.

القيادي البارز في حزب الأمة الاسلامي الدكتور ساجد العبدلي أصر على مطالب حزبه، التي ضمنها في بيان تأبين الأمير، وقال: ldquo;نحن نصر على مزيد من الاصلاحات السياسة ودفع عجلة الاصلاح إلى الأمام لا عودتها إلى الخلف، ونرى أن الخطوة التي أنجزت بفصل ولاية العهد عن رئاسة الوزراء لا يمكن التراجع عنها لأنها ستعيدنا خطوات كثيرة إلى الوراء، ونحن نريد أن نبني على ما تحقق بالفعل ونرى أنه يمكن استغلال هذا المصاب الجلل في تفعيل الحياة السياسية وليس وأدها، وعليه فنحن نطالب برئيس وزراء من عامة الشعب وليس من أبناء الأسرة، ونطالب باطلاق الحريات الصحافية وبقانون لإشهار الأحزاب وتعديل الدوائر الانتخابية، والفصل الحقيقي بين السلطات، تمهيداً لقيام حكومات شعبية تأتي عبر صناديق الاقتراع كما يحدث في جميع الدول الديمقراطية.

وأعاد العبدلي رفض حزبه لإعادة دمج المنصبين بقوله: ldquo;القرارات المصيرية لا تتخذ تنفيذاً لرغبات أفراد، وعندما يكون رئيس الوزراء هو ولي العهد فهناك حصانة دستورية يتمتع بها تمنع النواب من مساءلته، وبالتالي تتعارض المصالح العامة مع الخاصة وهو خطأ دستوري جسيم، لذلك لن تجد هناك أي نص في الدستور أو المذكرة التفسيرية يلزم الأمير باختيار رئيس وزراء من أبناء الأسرة، واذا كان الدستور قد تنبه لهذا الأمر فلماذا لا نطبق الدستور، ولماذا يصر البعض على تطبيق عرف قانوني أثبت فشله ولم تعد متغيرات العصر تستوعبه، نحن نطمح إلى استمرار مسيرة الاصلاح، وإلى حل خلافات الأسرة الحاكمة وإزالة التوتر بين أفرادها لأن ذلك من مصلحة الشعب الكويتي.

وقال العبدلي: ldquo;الكرة الآن في ملعب الأسرة وعليها ان تختار مصلحة الشعب، لأن وضع الأمير الجديد الصحي يحتاج إلى مراجعة من أفرادها، ومع احترامنا الكامل لتاريخ الأمير وخدماته للبلاد إلا أن الوطن هو الأبقى والأهمrdquo;.

وأكد رئيس لجنة الشؤون الخارجية ورئيس البرلمان العربي النائب محمد الصقر انه يتوقع انتقالا هادئا وسلسا للسلطة في البلاد، وقال: أعتقد أن الأسرة التي بايعناها منذ أكثر من ثلاثة قرون وترتبط بعقد غير مكتوب مع الشعب، قادرة على تجاوز احزانها وخلافاتها وعلى حسمها سريعا قبل أن تتفاقمrdquo;.

وأضاف ldquo;صحيح أن الوضع الصحي للأمير الجديد سيئ، وهذا وضع غير طبيعي، وقد ناديت شخصياً قبل ثلاث سنوات بإعادة ترتيب بيت الحكم في ضوء تدهور الوضع الصحي للأمير الراحل الشيخ جابر وولي عهده في ذلك الوقت الشيخ سعد ولم يستجب أحد، لكنني أقول إن الكويت دولة مؤسسات وليست دولة أفراد، والأسرة احدى مؤسسات الحكم المنصوص عليها في الدستور، وعندما تتفق على أية أوضاع خاصة بها فسوف نحترم اختيارها وقرارهاrdquo;.

واستبعد الصقر حدوث خلافات واسعة النطاق للحصول على مناصب عليا وقال: ldquo;نحن شعب متآلف ومتحاب، ولم نعرف طوال تاريخنا انقلابا عسكريا أو أي عمليات عنف، وكل القرارات في جميع مؤسسات الدولة تتم بالتوافق والتراضي، لأننا نشأنا على احترام رأي الآخر وجُبلنا على الديمقراطية ولا أتوقع حدوث أي شيء يعكر صفو البلادrdquo;.

وتمنى النائب الاسلامي الدكتور فهد الخنة تآلف الأسرة في هذه المرحلة الحساسة، وطالب بمزيد من الحرية والديمقراطية واستمرار مسيرة الاصلاح واحترام الدستور والفصل بين السلطات. وقال: ldquo;نحن دولة مؤسسات وسوف نحترم القرار الذي تتوصل إليه الأسرة فيما يخص ترتيبات بيت الحكم، لكننا نتمنى أن تتقدم عجلة الاصلاح إلى الأمام ونبني على ما تم انجازه بالفعل في مرحلة الأمير الراحلrdquo;.