السبت:21. 01. 2006

غازي العريضي

علمتنا التجارب أنه مهما ابتعد اللبنانيون عن بعضهم بعضاً، ومهما اختلفوا وتراشقوا سيعودون في النهاية للجلوس على طاولة على أرضهم ومناقشة قضاياهم حولهاmiddot; أقول ذلك، وأنا أعرف تمام المعرفة أن تاريخ لبنان تأثر دائماً بالموازين الإقليمية والدولية، وبتناقض وتقاطع السياسات الإقليمية والدولية، وتميز بتدخلات قناصل ودول عربية وأجنبية، وكلما شهد لبنان اهتزازات كان لهذه العوامل أثرها في المسببات ثم في المعالجاتmiddot; ولا أعتقد أننا خرجنا اليوم من هذه الدائرة وللأسفmiddot; وكأننا نسلم جميعاً بأن لبنان هذا، هو لبنان الذي لا يتغيرmiddot; وكأن أهله لا يتغيرون ولا يغيرون، ولا يتعلمون من تجارب، ولا يستفيدون من محطات وعبر ودروس وتاريخ رغم كل التضحيات التي قدموهاmiddot; والمؤلم أن لبنان هذا مالئ الدنيا وشاغل الناس فيه وعلى أرضهmiddot; هذا النموذج، هذا الموقع، هذه الفرادة، هذه الخصوصية في هذه المنطقة بالذات، لا يكفي أن نتغنى بها قولاً ونثراً وشعراً ورومانسية فقط، بل ينبغي العمل على حمايتها وتعزيزها وتقويتها للمحافظة على التنوع في لبنان ولبناء وطننا، موقع التفاعل بين الحضارات وموقع الحوار الحقيقيmiddot;
أشعر أحياناً، وفي مواكبتي ومواجهتي للتحديات والمسائل السياسية التي تعيشـها البلاد، متسائلاً، كيف تولد هذه المشاكل؟ كيف تتم تغذيتها؟ كيف يتم التقاطها من قبل الخارج؟ كيف يتفاعل ويتعامل معها الداخل؟ أشعر دائماً أنني أمام حالة واحدة، هل لبنان هو بلد القلق والهواجس؟ نعم، القلق أينما كان والهواجس عند أي كان!
هكذا هو لبنانmiddot; فمتى يكون بلد الاستقرار والأمان؟ ألا تستطيع ''العبقرية'' اللبنانية، والتجربة اللبنانية الفذّة في الخارج، في كل أصقاع الأرض، أن تنتج تسوية في الداخل تكرس أمناً ووفاقاً واستقراراً ثابتاً؟
بصراحة أقول، عامل الوقت ليس لمصلحة لبنان واللبنانيين في ظل ما يجري في المنطقة من تطورات وأحداثmiddot; ومن تغيرات وتحولاتmiddot; ومن إثارات لعصبيات ومشاعر مذهبية وطائفيةmiddot; وكل الأمور في المنطقة متصلة بما يجري عندنا أو العكسmiddot; لكن النتيحة واحدةmiddot; إن لبنان متروكmiddot; متروك لأهلهmiddot; ومتروك لمصيرهmiddot; وإن لبنان يتأثر بكل شيء من حولهmiddot; ولذلك تشعر وكأن البلد يواجه احتمـالات خطيرةmiddot; الغليان في كل الطوائف والمذاهبmiddot; والمشاعر ملتهبة هنا وهناكmiddot; والعصبيات طاغيةmiddot; والخطابات التخوينية الاتهامية لبعضنا بعضاً مسيطرةmiddot; فمن يضمن نتائج احتكاك هنا أو هناك؟ من يضمن عدم الوقوع في الأفخاخ المنصوبة لنا من الخارج؟ وقد عدنا إلى الخلاف والتجاذب حول العلاقة مع سوريا ودورها في ظل أخطاء بل خطايا متراكمة ترتكب من قبل مسؤوليها في التعاطي مع لبنانmiddot; وثمة خلاف حول التحقيق الدولي بجريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ثم بالجرائم الأخرى التي نجح منفذوها في تحقيق أهدافهم، وتلك التي لم ينجحوا في الوصول إلى ما أرادوهmiddot; ربما كان اتفاق على العنوانmiddot; لكن في النفوس والمشاعر والقاعات والمجالس والصالونات، فإن الأمور ليست كذلك، وتلك هي الحقيقة الجارحة في لبنان، ثمة من فرح ويفرح لقتل الحريري، وثمة من فرح ويفرح لقتل التحقيق في جريمة اغتيالهmiddot; وهؤلاء موجودون في سوريا وفي لبنانmiddot; وثمة من يريد طمس الحقائق، أو الاستمرار في التهديد والوعيدmiddot; وثمة من يعتبــــر أن ''تطيير'' الحريري يعني إخلاء الساحة له، في هذا المذهب أو ذاك، وفي هذه الطائفة أو تلك، ويبني على ذلك الكثير من الحسابات الخطيرة الخاطئة، التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقانmiddot; والخلاف على السياسة السورية أو النظام السوري يعود بقوة خلافاً على كثير من الأمور الداخلية، نظراً لارتباط عدد من القوى حتى الآن بالسياسات السورية بشكل كاملmiddot; وهذا الأمر ينعكس أيضاً على العلاقات العربية- السورية، والعربية- العربية، ويشكل تداخلاً إضافياً بين مشاكل سوريا مع المجتمع الدولي، منذ ما قبل التمديد للرئيس إميل لحود في لبنانmiddot; وتفاقم هذه المشاكل بعد التمديد، وبداية مسيرة التدويل عبر القرار ،1559 ثم مشاكل سوريا مع لجنة التحقيق الدولية، وعدم تلبية مطالبها، ومحاولات الضغط عليها، وبالتالي مشاكلها مع المجتمع الدولي مجدداً مما أدى إلى صدور قرارات دولية إضافية ليست في مصلحة سوريا وكانت في غنى عنها لو أنها سلكت طرقاً أخرى واعتمدت أساليب أخرى في إدارة العلاقات اللبنانية السورية قبل قرار التمديد، ثم بعده وقبل وبعد بدء مسلسل الإرهاب والاغتيال في لبنان للشخصيات التي عارضت التمديد ومفاعيلهmiddot; إن أخطر ما في الأمر، هو أن يعود لبنان ساحة صراعات دولية وإقليمية لتصفية حسابات وترتيب أوضاع في هذه الدولة أو تلك، ولهذا النظام أو ذاك، ولكن في النهاية على حساب لبنانmiddot;
إنها مسؤولية لبنانيةmiddot; لا ينفع بعدها ندم إذا وقعنا في المحظور مجدداًmiddot; وليس ثمة عاقل في لبنان بإمكانه الادعاء أنه خارج إطار دائرة الخطرmiddot; بما يمثل سياسياً وطائفياً ومناطقياً ووطنياًmiddot; الكل في عمق دائرة الخطرmiddot; والكل مستهدف في النهايةmiddot; وقد تفرض لعبة الآخرين شروطها علينا مجدداًmiddot;
لذلك، لا أجد مدخلاً إلى حل، إلا بعودة الوزراء المعتكفين إلى الحكومة وعلى قاعدة البيان الوزاري الذي اجتمع حوله المشاركون في التركيبة الحكومية الحالية، ومن داخل الحكومة ينطلق الحوار حول كل القضايا، يواكبه حوار داخل المجلس النيابي الموقع الآخر، للنقاش والسجال أو الصراع حول كل الأفكار والقضاياmiddot; فتهدأ النفوس وترتاح الخواطر، ونطل على المشاكل مجتمعين بروح من المسؤولية الوطنيةmiddot; وذلك كله يجب أن ينطلق من تسليم بأن العناد والارتباط بهذا الفريق أو ذلك في الخارج أمر لا يساعد أحداً ولا يساعد لبنانmiddot; ثمة عدو واحد للبنان هو إسرائيل ونحن ملتزمون بثوابت المواجهة معها حتى تحرير مزارع شبعا والأسرى والمعتقلينmiddot; وثمة مشاكل مع سوريا ينبغي أن يكون لدى الجميع الجرأة في مقاربتها انطلاقاً من رفض أي شكل من أشكال الوصاية أو التبعية، مع تأكيد الجميع على ضرورة استكمال التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دون تهديد للجنة أو مناورة أو وعيد أو افتعال مشاكل أمامهاmiddot; بل مطالبة الجميع بتطبيق القرارات الدولية ذات الشأن للوصول إلى الحقيقة ومحاكمة المسؤولين عن الجريمة أمام محكمة دولية في أي موقع كانوا ولأية جهة انتمواmiddot;
وبطبيعة الحال أن التمسك بالقرارات الدولية هذه لا يعني قبولاً بوصاية أجنبية على لبنان من أي موقع أتت إذا كان ثمة من يريد فرضهاmiddot;