غسان تويني


في خضم كلام يطرح به بعضُهم مسألة العلاقات اللبنانية السورية، والعلاقات اللبنانية اللبنانية بالمبهمات التي قد تنتهي الى استنقاع وضع الشرق الأوسط برمته في حال تُقارِب مفاهيم الثورة الدائمة، التي قد تحوّل النظام الدولي القائم quot;ساحاتquot; صراع تتجاوز كل الحدود والشرعيات...

لا يسعنا في وجه هذا الخضم -إلا شكر وليد جنبلاط الذي ختم حديثه التلفزيوني مساء الجمعة الفائت بالاصرار على ان موضع الحوار quot;الطبيعيquot; مع quot;حزب اللهquot; هو مجلس الوزراء واستطراداً فقط مجلس النواب... بدل الدعوات الهيولية الى ما يشبه الرقصات المبهمة الإيقاع بين أحزاب وتكتلات تتبدل مواقعها ومحالفاتها في جغرافيا وهمية تحدّها شمالاً (مثلاً) التوقعات الرئاسية وجنوباً المفاخرات الرومانسية بتحريرٍ من هنا وحسابات إستشهادية من هناك!!!

مجلس الوزراء هو الموقع والإطار الطبيعي لأن quot;حزب اللهquot; متمثل فيه، وضمنه الخلاف الوزاري (بل الدستوري) مطروح...

ولأن مجلس الوزراء هو الكيان المؤسساتي لجمهورية تطمح الى ان تصبح quot;دولة مؤسساتquot; (لا قبائل، مثلاً) ترعاها نصوص تستمد منها شرعيتها هي دستور quot;الطائفquot; والاتفاقات المبنية عليه، بما فيها الاتفاقات التي ترعى العلاقات مع الجمهورية الشقيقة (مبدئياً!) سوريا، من دولة الى دولة.

***

ولنمضِ قليلاً في التفسير والتبرير.

اذا لم نحصر quot;الحوارquot; المنشود في إطاره المؤسساتي هذا، أطلقنا أمامه العنان، وانطلقنا في quot;سوق عكاظquot; سياسية بلا حدود، تختلط فيها أبواب الشعر بين quot;الهجاءquot; وquot;المديحquot; الذاتي والمبارزة في الحذلقة اللغوية والسباق الى بديع البلاغة والبيان و... الابتذال والركاكة والابهام!!!

واستطراداً، اذا لم يتحدد موضوع الحوار في إطارٍ من التعابير القانونية الواضحة المعالم، نكون قد هيأنا لمنصة quot;عكاظquot; أخرى متعددة الأبعاد متناهية الآفاق في الموضوعين الأهم اللذين يُنتظر من مجلس الوزراء ان ينظر فيهما في أقرب وقت:

1 النظام الانتخابي الذي تنتهي quot;لجنة الحكماءquot; الاكسترا-برلمانية من اعداده في مهلة قريبة؛

و2- المشروع المتكامل للاصلاح المطلوب عرضه مع الدراسة المالية على مؤتمر quot;بيروت واحدquot; لحل أزمة الدين العام، ذي quot;صدقية مقنعةquot;...

ولا بأس ان يترافق هذا المشروع مع المباشرة بتطبيق قانون quot;الاثراء غير المشروعquot; على المسؤولين، وفق ما اقترح السيد حسن نصرالله ارتجالياً عفوياً مساء الاحد، ولو قدّم ذلك كبديل للمساعدات الخارجية.

***

واذا مضينا قليلاً في الاستنتاج، بلغنا المرتبة المنطقية التي تجعلنا نقول ان لبنان على مفترق طرق بين أن يكون دولة أو لا يكون...

ذلك ان لا دولة من دون حكومة، أي من دون مجلس وزراء... واذا لم تكن ثمة حكومة، أي مجلس وزراء ينتهي الحوار فيه الى قرارات ملزمة، تتزعزع المؤسسات الدستورية، ويتفسّخ المجتمع السياسي، ونتهيأ جميعنا لاقتسام الارض على وقع الأدبيات الخطابية (المرتجلة) حول مقاومة تصبح غاية في حد ذاتها، ولا تحرير quot;مرسَّمquot; الحدود تنتهي المقاومة عنده واليه...

اذذاك تذوب الدولة في حالٍ من النيهلية، بل العدمية التي تحوّل الأوطان، فكيف بالدول، quot;ساحاتquot; (حتى لا نقول مسارح!!!) للاختبارات العقائدية الساذجة التي تجاوزها التاريخ، وهي أصلاً لا قدرة لها على صنعه.

... والأكثر بداهة في الموضوع هو الأبسط: لا دولة حيث لا رئيس للجمهورية يرئس مجلس الوزراء، متمتعاً بشرعية تاريخية تخوّله ان يكون حَكَماً مقبولا في أي حوارٍ دستوري... ولا دولة ومجلس وزراء فعال حيث لا يتجرأ رئيس الجمهورية على ان يختار بين دور تاريخي يعيد اليه مبرر وجوده أو... استقالة تفسح في المجال لإنقاذٍ شرعي لدولةٍ يتفرج عليها وهي تصير أكثر فأكثر كل يوم دمية في مهب رياح الإجرام المتنكر بالوطنية.