الأربعاء:25. 01. 2006
فلينت ليفيريت
في الوقت الذي تقوم فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بالنظر في خطواتهم المقبلة لاحتواء التهديد النووي الإيراني، تعالوا نستعيد معاً الأداء الضعيف لإدارة بوش في معالجة هذه المشكلة، حيث إن هذه الإدارة ومنذ أن جاءت إلى الحكم ضيعت أي فرصة أتيحت لها لوضع العلاقات مع إيران في مسار أكثر إيجابيةmiddot;
وهناك ثلاثة أمثلة تبرز في هذا الخصوص: في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، عرضت طهران مساعدة واشنطن في الإطاحة بنظام ''طالبان'' وتأسيس نظام جديد في أفغانستان فكان رد بوش هو أن إيران جزء من ''محور الشر''middot;
وفي ربيع 2003 قام وزير الخارجية الإيراني بإرسال تقرير مفصل إلى واشنطن يعرض فيه الدخول في مفاوضات شاملة لحل كافة المشكلات الثنائية بين البلدين بما فيها برنامجها لتصنيع الأسلحة ومسألة دعمها للمنظمات الإرهابية المعادية لإسرائيلmiddot; ولكن رد الإدارة على هذه الوثيقة للأسف كان هو أن الدبلوماسيين السويسريين الذين حملوا ذلك التقرير من طهران إلى واشنطن قد قاموا بعمل لا يقع في نطاق اختصاصهمmiddot;
والآن نجد أن واشنطن وحلفاءها قد أصبحوا يواجهون خيارين غير جذابين للتعامل مع موضوع إيران النوويmiddot; الأول، إحالة الموضوع إلى مجلس الأمن الدولي وهو الموضوع الذي يلقى معارضة بسبب الخوف من قيام إيران بالحد من مبيعاتها من النفط في هذا الوقت، ولكن المشكلة بالنسبة لهذا الخيار أنه وفي الوقت الذي يشتد عليه الطلب على البترول لا يوجد أحد لديه الاهتمام باللجوء إلى إجراء قد يسفر عن قيام طهران بالحد من مبيعاتها البتروليةmiddot; وهناك إجراء آخر في هذا الإطار هو فرض حظر على سفر المسؤولين الإيرانيين -من المحتمل أن يفرض كإجراء مؤقت- ولكن من غير المرجح أن تقوم روسيا والصين بالموافقة على هذا الإجراءmiddot;
الخيار الثاني وهو قيام الولايات المتحدة، أو إسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية إلى منشآت إيران النوويةmiddot; ولكن المشكلة هي أن تلك المنشآت منتشرة في كافة أنحاء إيران، وهناك احتمال ألا يتمكن المخططون لتلك الهجمات من معرفة جميع الأهداف التي يتعين ضربهاmiddot; كما أن الضربة قد تؤدي إلى عكس المستهدف منها، وذلك من خلال تقوية موقف طهران وزيادة إصرارها على الحصول على قدرات تصنيع أسلحة نوويةmiddot;
هل هناك مخرج من هذا المأزق الاستراتيجي؟ التعامل الدبلوماسي مع الأزمة الإيرانية -والذي لم يكن خياراً سهلاً في أي وقت- ازداد صعوبة ليس فقط بسبب الاختيار السيئ للسياسات في واشنطن، ولكن بسبب الاتجاهات السائدة حالياً في السياسة الإيرانية؛ فالفوز الذي أحرزه السيد أحمدي نجاد على غريمه علي أكبر هاشمي رفسنجاني، يشير إلى أن عدداً كبيراً من الإيرانيين قد ربطوا بين دعوة رفسنجاني للتقارب مع الغرب بماضيه الفاسد ورفضوا الاثنين: التقارب مع الغرب والماضي الفاسد، وذلك لصالح النزعة القومية الشعبوية التي يعبر عنها أحمدي نجادmiddot; علاوة على ذلك، فإن خطاب نجاد الفظيع عن إسرائيل والمحرقة، يهدد بجعل أي محاولة من جانب الغرب للتقارب مع طهران في المستقبل تبدو وكأنها نوع من الاسترضاءmiddot;
وهذه التطورات تحد بشكل كبير من الإمكانيات المتاحة أمام العمل الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيرانmiddot; ففي الوقت الذي يستمر فيه المسؤولون الإيرانيون الذين توجد خطوط اتصال بينهم وبين المرشد الأعلى آية الله خامنئي، في التأكيد سراً، على أن الفاعلين الرئيسيين في مجلس الأمن القومي الإيراني -وهو الهيئة المنوط بها اتخاذ القرار في بنية السلطة الإيرانية- لازالوا مهتمين بإجراء حوار استراتيجي مع الغرب، نجد أن السيد أحمدي نجاد لديه القدرة على حشد المعارضة اللازمة لمقاومة أي ''صفقات كبرى'' مع الولايات المتحدةmiddot;
وفي غيبة سياق استراتيجي أكثر إيجابية، فإن كافة الجهود الرامية لإعادة فتح المحادثات الإيرانية- الأميركية بشأن الموضوعات السرية ذات الاهتمام المشترك ومنها موضوع العراق مثلاً، ستكون في أحسن الأحوال تكراراً للتعاون التكتيكي قصير الأمد الذي قام بين البلدين بشأن أفغانستانmiddot;
خلال الأسبوع الماضي، اقترح وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل طريقاً للخروج من هذا المأزق، وهو طريق قد يساعد أيضاً على معالجة الكثير من التحديات الملحة في منطقة الخليج، وذلك عندما حث إيران على ''القبول بالموقف الذي اتخذناه من أجل جعل الخليج -باعتباره جزءا من الشرق الأوسط- منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل''middot;
وكان اقتراح الأمير سعود يحمل في طياته إيحاء ضمنياً بأن الخليج الخالي من الأسلحة النووية، يمكن أن يسبق إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في كافة أنحاء الشرق الأوسطmiddot; والولايات المتحدة وشركاؤها يجب أن يبنوا على هذه الفكرة، وأن يعملوا على دعم إنشاء مجلس للأمن الخليجي يضم إيران والعراق والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، بالإضافة إلى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدوليmiddot; وهذا المجلس لن يحل محل التحالفات الأميركية مع الشركاء الأمنيين التقليديين في المنطقة، ولكنه سيعمل جنباً إلى جنب معها، وهو ما يشبه إلى حد كبير الطريقة التي عملت بها منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إلى جانب حلف شمال الأطلسيmiddot; وسيوفر هذا المجلس إطاراً تضمن الولايات المتحدة بموجبه أنها لن تقوم باستخدام القوة لتغيير حدود إيران أو شكل الحكومة القائمة بها، بشرط التزام إيران بالأعراف الإقليمية المحددة والخاضعة للرقابة المتعلقة بحظر الانتشار النووي (بما في ذلك حظر على الأسلحة النووية) وبمقاومة الإرهاب واحترام حقوق الإنسانmiddot; والدول التي تشعر بالقلق جراء الأنشطة النووية الإيرانية ستكون لديها في هذه الحالة، الأداة الفعالة التي تمكنها من ضمان امتثال إيران للتعهدات التي تقطعها على نفسهاmiddot; كما أن القيام بالضغط على إيران للالتزام بالمعايير المحددة والموضوعة من قبل أطراف متعددة قد يكون أكثر قبولاً لدى الصين وروسيا من دفع إيران دفعاً إلى القبول بإعادة التفسير الأميركي لالتزاماتها المتعلقة بحظر الانتشار النوويmiddot;
ومثل هذا الإطار سيتجاوز كذلك المقترحات المقدمة لإنشاء ''مجموعة اتصال'' مكونة من الدول المجاورة للعراق، كما أنه يقدم لكافة ألوان الطيف السياسي الإيراني حتى أولئك المحيطين بأحمدي نجاد الشيء الذي يريدونه، وهو الاعتراف بالدور الإيراني في الإقليمmiddot; وبالإضافة إلى إحيائه للجهود الرامية لاحتواء التهديد النووي الإيراني، فإن هذا الإطار يمكنه أيضا تقديم الدعم الضروري لهدف تحقيق الاستقرار في العراق باعتباره يضم السعودية وإيران، وهما الدولتان اللتان يمكن أن تساعدا في التوصل إلى تسوية بين الجماعات السُنية والشيعية هناكmiddot;
ما أود قوله في النهاية هو أن التوصل إلى حل دبلوماسي للمشكلة الإيرانية النووية ما زال في متناول اليد على أن نضع في اعتبارنا أن الدبلوماسية الناجحة ستكون بحاجة إلى رؤية جديدة جسورةmiddot; وفي المرة القادمة التي ستجتمع فيها الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لمناقشة الموضوع الإيراني فربما يتعين عليها الاجتماع في الرياض بدلاً من لندن!
عن الإتحاد
التعليقات