طلال سلمان


لكأنما انقرض lt;الكبارgt; في الوطن العربي بدوله المختلفة..
ومع تصاغر الحكام تعاظم حجم المشكلات حتى ما كان بسيطاً منها ويمكن أن يحله تدخل lt;الكبيرgt; من بينهم.
ومع تضاؤل وزن الحكام باتت lt;السلطةgt;، بما هي أمر محلي، شاغلهم الشاغل، عليها يصطرعون، ومن أجل التفرّد بها يقتتلون... وصار lt;الأجنبيgt; هو في منزلة بين منزلتي lt;السندgt; أو lt;الحَكَمgt;، أي إنه في الحالين صار lt;المرجعيةgt;: له القرار، من قرَّبه ارتفع، ومن أبعده اختفى، بإغراقه بالمنافع، أو بالنفي أو بما هو lt;أفعلgt;!
وكان بديهياً أن يتناقص وزن جامعة الدول العربية حتى التلاشي مع تضاؤل أوزان الحكام وغياب lt;الكبيرgt; أو lt;الكبارgt; فيهم.
لهذا تتراكم الأزمات ثنائية وجماعية على أبواب الحكام العاجزين، ويستشعرون المزيد من الحاجة إلى تدخل lt;الخارجgt;، سواء للحماية، أو للوساطة، أو للانتصار به على الشقيق..
... وها هي فلسطين الشاهد والشهيد: لم يعد فيها بين أهل السلطة أو أهل النفوذ كبير يمكن العودة إليه كمرجع، ما يقرره يكون وما يرفضه يسقط تماماً ويسقط معه القائلون به إذا ما عاندوا.
ولأن لا قائد ولا قيادة جماعية ولا جبهة تضم المختلفين على قاعدة برنامج واضح، فقد عجز الجميع عن ملء الفراغ الذي تركه ياسر عرفات الذي ظل حتى الرمق الأخير lt;كبيراًgt; في عيون مؤيديه كما في عيون خصومه...
كانت lt;فلسطينيةgt; ياسر عرفات هي مصدر مجده. كان يناور، يتكتك، يخطئ مرات ويصيب مرات، يستفيد من الخلافات العربية فيوظفها لمصلحته، فإذا قرّبت المصالحة بين المختلفين كان الساعي بها والمستفيد منها.. وكان يصارع قوى النفوذ الأجنبي وعينه على الإدارة الأميركية. ولكنه، بوعيه أنه محل تأييد الأكثرية الساحقة من الفلسطينيين، كان يحتفظ لنفسه بحق رفض ما يعرض عليه إذا وجد فيه ما يمكن أن يؤاخذه عليه التاريخ. كان يخاف أن يسجل عليه هذا lt;الشاهدgt; الباقي والدائم والصامت والذي لا ينسى، وهو وإن تنازل مضطراً عن بعض الثوابت فإنه لم يفرّط بالحقوق التاريخية لشعب فلسطين في أرضه، حتى لو عجز عن استعادتها على الفور، أو في المدى المنظور.
... ومحمود عباس ليس ياسر عرفات، وليس له عند الشعب الفلسطيني ما كان لزعيمه... ولذا فليس من حقه أن يستعين بالأميركي أو حتى بالإسرائيلي على من يعتبرهم خصوماً متطرفين ومراهقين في السياسة بينما يرونه مفرّطاً ويكادون يدمغونه بالتهمة الأخطر!
كذلك فليس إسماعيل هنية في موقع lt;قائد الثورةgt; على انحراف السلطة. وحتى لو كانت صورة حماس ما تزال تحتفظ ببعض وهج التطهر ولم تلوثها السلطة بالفساد، بعد، فإنها قد عجزت عن تقديم نفسها بصورة lt;المنقذgt;. لقد دخلت الانتخابات كطرف منافس، وفازت بسبب غضبة الفلسطينيين على غرق قيادة فتح في الفساد وعلى انحرافاتها السياسية التي انحدرت بها إلى وهدة عميقة كادت تخرجها من سياق النضال الوطني الفلسطيني. ولكن حماس حين باغتها الفوز لم تفتح صدرها لرفاق السلاح القدامى، ولعل السلطة قد بهرتها، أو لعلها قد بالغت في تقدير قوتها واستهانت بخصومها الأقوياء الذين هزمتهم بتفككهم وتنابذهم وانشغالهم بالصفقات الحلال والحرام، وبفتح البازار مع الإسرائيليين، ولكن قاعدتهم ظلت على عصبيتها، بل لعل هزيمة فتح في الانتخابات قد عززت هذه العصبية ومكنتها، على الصح والغلط.
لكأن الجميع lt;أصغرgt; من السلطة.
ومن صغّرته السلطة كيف له أن يواجه العدو، أو حامي العدو وراعيه، وخصوصاً أن هذا الحامي الأميركي هو في الوقت نفسه حامي الأنظمة العربية بمجموعها، وlt;الحَكَمgt; بينها، بل والمرجع في صراعها الذي تحوّل إلى ما يشبه الخلاف في وجهات النظر مع الإسرائيلي؟
وبديهي أن تصاغر أطراف السلطة الفلسطينية الذين غدوا الآن خصوماً تتهددهم مخاطر انفلات الخصومة إلى صدام مسلح يغرقهم جميعاً، من شأنه أن يعظِّم العدو وأن يمكّنه من أن يفرض المزيد من الشروط... وأن تتحوّل مهمة كوندليسا رايس إلى محرّض لعباس على حماس، وإلى دافع باتجاه السرعة في إتمام الانقلاب، دستورياً، بحل الحكومة، وحل المجلس التشريعي بذريعة فقدان النصاب... (وهو ما فُقد إلا لأن إسرائيل اعتقلت أكثرية الأكثرية فيه، وكأنها كانت تسهّل لمحمود عباس مهمته)..
وإذا كانت lt;كونديgt; هي كبيرة العرب فليس علينا أن نستغرب لا ما يحصل في فلسطين، ولا خاصة ما حصل ويحصل في العراق الممزقة أوصاله والغارق في دمه... وعلينا في لبنان أن نبالغ في حذرنا من lt;العطفgt; الأميركي الذي يكاد ينطبق عليه القول: زاد في الرقة حتى كاد يفلق البلاد والعباد في أرض ثورة الأرز التي كانت lt;وطناً جميلاًgt;، وعلينا أن نحميها من lt;أصدقائنا الكبارgt; أولاً..