يحيى عبد المبدي محمد
هل تمثل الصومال في ظل ازدياد نفوذ وسيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية خطرا على أمن الولايات المتحدة الاستراتيجي ومصالحها في منطقة القرن الأفريقي؟ وهل توجد روابط بين المحاكم الإسلامية وتنظيم القاعدة؟ وكيف تتعامل الولايات المتحدة مع التطورات السريعة المتلاحقة في الصومال؟ وما هي ثوابت السياسة الأمريكية تجاه منطقة القرن الأفريقي؟
كانت تلك الأسئلة وغيرها محورالنقاش في الندوة التي أقامها معهد أمريكان انتربرايز
www.aei.org المعروف بميوله المحافظة، والتي تابع تفاصيلها مراسل تقرير واشنطن.
استهل quot;ماورو دي لارينزوquot; Mauro De Lorenzo أعمال الندوة بطرح بعض الأسئلة والفرضيات حول التطورات التي شهدتها الصومال في الشهور الأخيرة قائلا إن الفوضى التي شهدتها الأراضي الصومالية منذ عام 1996 وحتى منتصف العام 2006 ساعدت على توفير ملاذ آمن للمجموعات الإرهابية في منطقة شرق أفريقيا. ولكن في شهر يونيه 2006 نجحت جماعة إسلامية أصولية عرفت باسم اتحاد المحاكم الإسلامية بفرض سيطرتها على العاصمة الصومالية مقديشيو، وذلك على الرغم من محاولات الولايات المتحدة دعم وتقوية تحالفا من أمراء الحرب في مواجهة صعود التهديد الإسلامي.
وتساءل مقرر الندوة عن المخاطر التي يمكن أن تنتظر الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة إزاء التطورات التي تشهدها الساحة الصومالية، خاصة في حالة إذا ما أصبح الصومال أرضية ومنطلقا لعمليات الإرهاب العالمي. وطرح دي لورينزو سؤالا حول ما إذا كانت الحركة الإسلامية التي تفرض سيطرتها على العاصمة ومعظم المناطق الجنوبية في الصومال تقوم على أساس سياسي قبلي أم أنها تحتفظ بعلاقات وروابط مع تنظيم القاعدة. وفي إشارة إلى فشل السياسة الأمريكية في التعامل مع الواقع الصومالي بتعقيداته الداخلية والإقليمية، واعتمادها في استقاء المعلومات من مصادر لا يمكن التأكد من مصداقيتها. استفسر مقرر الندوة عن إمكانية إعادة صياغة وتركيز السياسة الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي.
الوضع في الصومال خطرا علينا
كان أول المتحدثين quot;كين منكهاوسquot; Ken Menkhaus أستاذ العلوم السياسة في جامعة ديفيدسون كوليج والمتخصص في شئون الصراع في القرن الأفريقي. وقد بدأ حديثه بإعطاء خلفيه تاريخية عن الوضع في الصومال منذ انهيار الدولة وانتشار الفوضى وأعمال الإرهاب منذ بداية التسعينات، واستخدام تنظيم القاعدة للأراضي والعناصر الإسلامية الصومالية لتفيذ تفجيرات نيروبي ودار السلام عام 1998. ورغم تشكيل حكومة فيدرالية انتقالية TFG في عام 2004 مدعومة من الجارة إثيوبيا، فأنها لم تستطع بسط نفوذها على الجماعات والأراضي الصومالية، وقد شجع الوجود الرمزي وضعف الحكومة واستمرار النزاع بين أمراء الحرب على ظهور فصيل إسلامي في العاصمة مقديشيو ومناطق الجنوب نال ثقة وتأييد سكان ورجال أعمال وتجار رغبوا في إنهاء مرحلة أمراء الحرب.
وتطور عن هذا الفصيل لاحقا ليصبح اتحاد المحاكم الإسلامية الذي يعتبر بمثابة مظلة تجمع فصائل قبلية وإسلامية. واستطرد منكهاوس في وصف تنامي نفوذ اتحاد المحاكم في مناطق الجنوب ونجاحه في السيطرة على العاصمة في يونيه الماضي ثم مدن الجنوب الكبرى مثل بيداوا وكيسمايو على نحو لم يكن يتوقعه أتباع اتحاد المحاكم أنفسهم. وأكد منكهاوس على أن الوضع بصورة عامة ليس في صالح الولايات المتحدة، بل يمثل خطرا وتهديدا لمصالحها في المنطقة نظرا لإمكانية تحول البلاد في ظل سيطرة إسلاميين جهاديين إلى مرتع وملاذ آمن لأعضاء من تنظيم القاعدة وسهولة العبور والتسلل إلى أراضي الدول المجاورة لضرب الأهداف والمصالح الأمريكية، وهو ما حدث في عام 1998 عندما استعملت الأراضي الصومالية ممرا أمنا للتسلل إلى كينيا على حد قوله.
إيجابيات وسلبيات اتحاد المحاكم الإسلامية
رغم انطلاقه من فرضية أن الإسلاميين في الصومال يمثلون تهديدا للولايات المتحدة وأن منهم من هو متورط في القيام بعمليات إرهابية، ومنهم من يرد اسمه على القائمة الأمريكية للإرهاب مثل الشيخ حسن طاهر عويس أحد مؤسسى اتحاد المحاكم، فإنه أعرب عن قناعته بأن وصول اتحاد المحاكم إلى سدة الحكم لا يعني شرا مطلقا للولايات المتحدة، بل يحتوي على أبعادا إيجابية منها أن شريف الشيخ أحمد رئيس اتحاد المحاكم وطبقا لتصريحاته الموجهة إلى الولايات المتحدة يعتبر شخصية معتدلة يمكن التفاوض معه والوصول إلى حلول وسط ، فضلا عن أن الثقافة السياسية لتلك الحركة التي تقوم على مكونات إسلامية وقبلية، تتسم بالرغماتية، وهو مايسهل مهمة الولايات المتخدة في التفاوض معها. كما أن حالة الاستقرار التي فرضها اتحاد المحاكم في المناطق التي سيطر عليها يمكن أن تؤدي إلى استقرار الوضع الأمني في كافة الصومال، وهو مايخدم أمن ومصالح الولايات المتحدة وبقية دول المنطقة. كذلك يتمتع إسلاميو اتحاد المحاكم كما يقول منكهاوس بسمعة طيبة ساعدت في ترسيخها مواجهته لظاهرة انتشار قراصنة السواحل وإعادة المسروقات إلى أصحابها.

أما سلبيات الحركة كما يراها منكهاوس فهي عديدة أيضا، فتصريحات بعض رموزها مثل الشيخ عويس حول إقامة الدولة الإسلامية في الصومال كنواة لدولة إسلامية في شرق أفريقيا تشمل أراض من الدولة الإثيوبية ودعمه لعمليات الاتحاد الإسلامي في إقليم أوجادين تثير مخاوف الدول الإقليمية والولايات المتحدة على السواء، وتستفز الجارة إثيوبيا بصفة خاصة. ويعتقد منكهاوس أن بعض فصائل اتحاد المحاكم يسعى إلى استفزاز إثيوبيا للدخول في حرب يخسر فيها الجميع باستثناء الجهاديين. ويشك أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديفيدسون كوليج في قيام أعضاء من اتحاد المحاكم بالقيام بسلسلة اغتيالات سياسة كان أخرها محاولة اغتيال عبد الله يوسف رئيس الحكومة الانتقالية منذ أسبوعين. وينتقد منكهاوس الطبيعة الرديكالية للحركة والتي اتضحت معالمها في إغلاق دور العرض السينمائي وتجريم تناول القات وحظر التجمعات السياسة والنيل إلى مركزية السلطة وتهميش دور المرأة وكبت الحريات العامة.
وجهة النظر الرسمية الأمريكية
شاركت quot;أويونيس ردكquot; Eunice Reddick مديرة مكتب شئون شرق أفريقيا في وزارة الخارجية الأمريكية في الندوة بصفتها الرسمية، ولذلك كانت أقل المتكلمين تحدثا، واقتصرت مداخلتها على توضيح أهداف سياسة الولايات المتحدة تجاه الصومال، والتي حددتها في:
أولا، مجابهة الإرهاب وعدم السماح لأي جماعة تحويل البلاد لملاذ آمن للإرهاب.
ثانيا، دعم وتعزيز الاستقرار وإقامة حياة سياسية تقوم على مبادئ وقيم الديموقراطية.
ثالثا، تقديم المعونات والمساعدات الإنسانية والعمل على ضمان وصولها إلى الشعب الصومالي.
وقالت إننا تقوم من أجل تحقيق هذه الهدف بالتعاون مع بلدان مثل النرويج والسويد وغيرهما من بلدان الاتحاد الاوربي. ولم تنف مديرة مكتب شئون شرق أفريقيا في وزارة الخارجية وجود اتصالات مع اتحاد المحاكم الإسلامية، ومحاولة اقناعهم بمواصلة الحوار ومحادثات السلام في الخرطوم مع الحكومة الانتقالية.
اللاعبون الإقليميون مفتاح فهم ما يجري في الصومال
تعتبر تلك الجملة ملخصا للكلمة الطويلة التي ألقاها السفير quot;ديفيد شينquot;David H. Shinn، السفير الأمريكي السابق لدى إثيوبيا، حيث أشار إلى الواقع الإقليمي المعقد للصومال، وقيام دول الجوار المباشرة وغير المباشرة باستخدام أطراف الصراع الصومالي أوراق لعب لخدمة مصالحها ابتداء من إثيوبيا التي تدعم الحكومة الانتقالية بكل قوة، وإريتريا والسودان اللتان تدعمان اتحاد المحاكم الإسلامية نكاية في إثيوبيا، ومصر التي تدعم اتحاد المحاكم للضغط على إثيوبيا لكي تكف عن مطالبتها باستحقاقات مياه نهر النيل، والسعودية التي تقدم التبرعات وتدعم الاتحاد لأسباب دينية، واليمن التي تذكر تقارير استخباراتية أنها تقدم الدعم العسكري لاتحاد المحاكم لأسباب أمنية وتجارية، وقطر التي تدعم أحمد شيخ شريف سياسيا وقامت باستقباله مؤخرا في زيارة رسمية. وليبيا التي تتدخل في الصراع لحب الظهور وإثبات الوجود على حد تعبير السفير شين.
غياب السياسة الأمريكية
ويقدم السفير شين النصح للسياسة الأمريكية بالتعامل مع التطورات الأخيرة على الساحة الصومالية بضرورة القيام بدعم حوار ومحادثات سلام الخرطوم والضغط من أجل نشر قوات حفظ سلام، وعدم تفويت فرصة القيام بدور فاعل في الأزمة الحالية معتبرا أن غياب السياسة الأمريكية عن القيام بدورها طوال العقد السابق في منطقة القرن الأفريقي لا يجب أن تتكرر.
اتحاد المحاكم ليس طالبان
تميزت كلمة آخر المتحدثين الفرنسي quot;جيرارد برينيرquot; Geacute;rard Prunier المدير السابق للمركز الفرنسي للدراسات الإثيوبية بالإثارة والسخرية، حيث انتقد دور الاستخبارات الأمريكية في دعم أمراء الحرب وزعماء المليشيات، وعارض من اعتبر أن إسلاميي اتحاد المحاكم يشبهون حركة طالبان في أفغانستان، قائلا إن اتحاد المحاكم ليس طالبان كما أن باكستان لا تقع على الحدود مع الصومال. ولفت النظر إلى البناء القبائلي للاتحاد معتبرا أن المفاوضات الحقيقية يجب أن تكون بين اتحاد المحاكم الإسلامية وزعماء إقليم بنت لاند ثم صوماليا لاند التي أعلنت استقلالها لاحقا.
المشاركون في الندوة
مورو دي لورينزو: مقرر الندوة. باحث في دراسات السياسة الخارجية والدفاعية بمعهد أميركان انتربرايز، ويركز في أبحاثة على حالات الدول النامية. عمل لورينزو في عام 2005 مع شركات مقاولات في العاصمة الأفغانية كابل. كما عملا باحثا في الجامعة الأمريكية في القاهرة ومعهد ماكريري في العاصمة الأوغندية كامبلا. مهتم بقضايا الحروب واللاجئين في الكونغو ورواندا وبوروندي.
كين منكهاوس: أستاذ العلوم السياسية بجامعة ديفيدسون كوليج الأمريكية. ومتخصص في قضايا النزاع والتنمية في منطقة القرن الأفريقي عمل في عامي 94- 1995 مستشارا خاصا في مهمة الأمم المتحدة في الصومال. وشغل وظيفة استاذ زائر في معهد الجيش الأمريكي لحفظ السلام. له مؤلفات ودراسات حول الوضع في الصومال منها كتابquot; الصومال: انهيار دولة وخطر الإرهابquot; الصادر عن معهد الدولي للدراسات الاستراتيجية.
أوينيس ريدك: مديرة مكتب شئون شرق أفريقيا بوزارة الخارجية الأمريكية. بدأت العمل في السلك الدبلوماسي منذ العام 1980، فعملت مستشارة في السفارة الأمريكية في زيمبابوي وتنزانيا وعدد من دول المحيط الهندي. وخلال عملها في وزارة الخارجية التحقت بقسم شئون السكان واللاجئين والهجرة.
ديفيد شين: عمل ديفيد شين خلال حياته الدبلوماسية التي تزيد عن ثلاثين عاما سفيرا للولايات المتحدة لدى كل من بوركينا فاسو وإثيوبيا. كما شغل سابقا وظيفة مدير شئون شرق أفريقيا بوزارة الخارجية. وقام شين بالتدريس في كلية إليوت للشئون الدولية بجامعة جورج واشنطن. كما عمل مستشارا للعديد من الشركات والمؤسسات غير الحكومية في القرن الأفريقي.
جيرارد برينير: يشغل الباحث الفرنسي جيرارد برينير وظيفة استاذ في المركز الوطني للبحوث العلمية بباريس. وهو المدير السابق للمركز الفرنسي للدراسات الإثيوبية. له العديد من المؤلفات والدراسات التي تتناول القضايا التاريخية والسياسية لمنطقة القرن الأفريقي والبحيرات العظمى.