د. حسن مدن


ليحاول كل منا أن يسأل نفسه: متى يضحك، وعلى من أو ماذا أو ممن أو مما يضحك؟ كم مرة في اليوم يضحك الإنسان؟ وهل يحدث أن يمر يوم أو أيام لا نضحك فيها؟ وإذا حدث ذلك فما هو السبب الكامن وراء حقيقة أننا لم نضحك؟ هل لأن بواعث الضحك انتفت، أم لأننا في مزاج سيئ لا يجعلنا قادرين على الضحك أو راغبين فيه؟ وهذا بدوره يقود إلى أسئلة أخرى من نوع: هل أن أمراً من الأمور يمكن أن يكون في ظرف ما مضحكاً، لكنه في ظرف آخر لا يكون كذلك تبعاً للمزاج الذي نحن فيه؟

الأغلب أن لدى كل إنسان أجوبة مختلفة عن هذا النوع من الأسئلة، ولكنها تشكل مداخل للاقتراب من عالم الضحك الذي من مظاهره أن لدى الناس أشكالاً أو طرقاً مختلفة للضحك. بعض الضحك أشبه بالقهقهة الطويلة، وبعضه الآخر له صوت مدوّ، وبعضه الثالث أشبه بالابتسامة العريضة أو الضحكة المكتومة. ثم أن القابلية للضحك تتفاوت بين شخص وآخر. بعض الناس دائمو الضحك، وبعضهم الآخر لا يضحكون إلا لماماً. والدراسات لا تجزم بأن الشخص الميال للضحك هو بالضرورة أكثر سعادة من الذين يضحكون بشكل أقل. قد يكون الشخص في داخله أميل إلى الحزن، ولكنه في مسعى ربما يكون غير واع يتغلب على ذلك بالمبالغة في الضحك.

من وجهة نظر علمية صرفة فإن الضحك يظهر لدى الإنسان متأخراً بالقياس إلى البكاء. أول ما يفعله الطفل بعد ولادته هو البكاء ولكنه بعد حين يتدرب على الضحك. ويقال إن ضحك الطفل ليس سوى بكاء معكوس. ldquo;الضحك في أصله بكاءrdquo; يقول أحد علماء النفس. فحين يرى الطفل شيئاً أو شخصاً غريباً، تثير لديه المفاجأة نوعاً من الفزع يعبر عنه بالبكاء، لكن ما أن يألف المشهد أو يتكيف معه حتى يشعر بحال من الاسترخاء يعبر عنه بالضحك.

يذهب باحث اسمه برغسون للقول إننا نضحك لأننا نضحك على أنفسنا في المقام الأول، فلا شيء هزلياً خارج ما هو بشري. إننا لو ضحكنا على حيوان نكون قد استحضرنا في سلوكه الباعث على الضحك سلوكاً للبشر أنفسهم، وحين نضحك على قبعة غريبة فإننا لا نضحك إلا على الفعل البشري الذي صنعها بهذا الشكل، ونضحك من الشخص الذي يرتديها لأنه برأينا غريب أو باعث على الضحك. ويقترح صاحبنا اقتراحاً طريفاً: ldquo;جربوا أن تسدوا آذانكم بوجه صوت الموسيقا في قاعة رقص، سيظهر لكم الراقصون سخفاء في الحالrdquo;.

قلنا إن الضحك بكاء معكوس. وان الضحك في أصله بكاء. لهذا السبب على ما يبدو قالت العرب: شر البلية ما يضحك. وفي حالة التعبير عن تفاقم حالة ما قالوا: المضحك المبكي. والعرب القدماء كانوا حكماء حين صاغوا هذه الأقوال، كأنهم كانوا يجهزون لأحفادهم اليوم، الذين هم نحن، التعبير الملائم لوصف الواقع الذي سيؤولون إليه. شكرا لأسلافنا فقد وفروا علينا مشقة البحث عن العبارة المناسبة في وصف حالتنا.