الثلاثاء: 2006.10.24

روزا بروكس

ماذا كانت تسعى إليه هيلاري كلينتون من وراء تصريحاتها الأخيرة حول تشريع التعذيب؟ هل هي مجرد زلة لسان، أم أن السيدة كلينتون تخلَّت فعلاً عن مبادئها وباتت مقتنعة تماماً بـquot;الحاجة إلى ممارسة التعذيبquot;، على الأقل في بعض الظروف الضيقة والمحدودة جداً كما تقول؟ ومهما يكن الأمر فقد نزلت هيلاري كلينتون إلى مستويات غير مسبوقة ولامست الحضيض عندما أدلت بتصريح في الأسبوع الماضي لـquot;نيويورك ديلي نيوزquot; قالت فيه إنه على الرئيس quot;أن يتمتع ببعض السلطة القانونيةquot; تخوله السماح بممارسة التعذيب، أو أساليب quot;قاسيةquot; في الاستنطاق في حالات تعرف في quot;سيناريو القنبلة الموقوتةquot;. ويبدو أن تصريحات هيلاري كلينتون الأخيرة تناقض تصريحاتها السابقة حول قانون اللجان العسكرية الذي أقره الرئيس بوش يوم الثلاثاء الماضي وعارضته هيلاري كلينتون بشدة، حيث قالت عنه إنه quot;يضعف معاهدة جنيف من خلال سماحه للرئيس بإصدار أوامر تعيد تعريف تقنيات التعذيبquot; وتساءلت حينها قائلة: quot;هل انحدرنا إلى هذا الدرك حتى نناقش حجم التعذيب الذي يتعين ممارسته؟quot;.

يشار هنا إلى أن quot;سيناريو القنبلة الموقوتةquot; يقصد به تشريع التعذيب في بعض الحالات الاستثنائية، بحيث يتم تصور وضع يعتقل فيه أحد الإرهابيين الذي يعرف مكان قنبلة نووية زرعت في إحدى المدن الأميركية الكبرى. فإذا لم تستطع الأجهزة الأمنية كشف موقع القنبلة والتعامل معها سيموت الملايين من الأبرياء. فهل يبرر ذلك في هذه الحالة اللجوء إلى التعذيب كحل أخير إذا رفض الإرهابي الحديث والإفصاح عن مكان القنبلة؟ وعندما توضع الصورة على تلك الشاكلة فإن القليل منا سيتردد في استخدام التعذيب لانتزاع اعتراف من الإرهابي. ومن وجهة نظر نفعية صرْف فإنه من الأفضل تعذيب شخص واحد شرير بدل السماح بموت الملايين من الأبرياء. لكن رغم الشحنة العاطفية التي ينطوي عليها quot;سيناريو القنبلة الموقوتةquot;، إلا أنه يظل بعيداً عن الواقع وأقرب إلى الخيال ولا يمكن البناء عليه لاتخاذ قرارات على أرض الواقع. ففي العالم الحقيقي البعيد عن التصورات الخيالية، أو الاستثنائية لا تكمن المشكلة في السماح بالتعذيب في بعض الحالات النادرة جداً، بل تكمن المشكلة فيما إذا كان من الحكمة في مجتمع ديمقراطي السماح للحكومة بتمرير قوانين تحدد الظروف التي تصبح فيها ممارسة التعذيب أمراً مُبرراً.

وفي غمرة المساعي المحمومة التي تبذلها الإدارة الأميركية لتسويغ التعذيب وتبريره تظل العبارة الأفضل لتفسير ما يجري هي quot;الانحدار إلى الهاويةquot;. ففي ظل جهل المسؤولين بحيثيات الأمور يصعب عليهم التأكد أولاً من أن الشخص الموقوف هو فعلاً الرجل المطلوب، وهم يجهلون أيضاً ما إذا كان المعتقل يملك معلومات مفيدة يمكنها أن تجنب وقوع هجوم وشيك على الملايين من الأبرياء. وعلينا أن نتذكر أنه عندما يجري استنطاق أحدهم في حالات حقيقية وليست متخيلة تنطوي على احتمالات متعددة، إذ يمكن للمعتقل أن يحمل معلومات مفيدة، ويمكن ألا يكون له علم بأي هجوم وشيك على الولايات المتحدة. فهل يدفعنا ذلك إلى إخضاعه للتعذيب دون أن نتأكد من حيازته لتلك المعلومات؟ وكم من اليقين يتعين توفره قبل الشروع في التعذيب؟ وكم من الأشخاص يتعين أن تتعرض حياتهم للخطر قبل تبرير التعذيب هل هم عشرة ملايين، أم عشرة آلاف، أم عشرة أشخاص؟

بالإضافة إلى ذلك ما هي أساليب الاستنطاق القاسية التي يمكن تبريرها؟ وإلى أي مدى يمكن الذهاب في ذلك؟ فإذا رفض أحد الإرهابيين الإدلاء بما يعرف من معلومات، هل يمكن الضغط عليه عن طريق تعذيب زوجته مثلاً؟ وماذا عن قتل أطفاله، أو الأمر بإبادة جميع أفراد عائلته؟ مثل تلك الضغوط والأساليب قد تقوده إلى الكشف عما في جعبته، لكن هل هي ممارسات شرعية يمكن تبريرها استناداً إلى المنطق النفعي الذي يسعى إلى إنقاذ حياة الملايين من الأشخاص الأبرياء؟ وهل نريد في المحصلة النهائية أن يقوم القانون الأميركي بتحديد حجم الفظائع التي يمكن ارتكابها في حق كم من الأشخاص لإنقاذ حياة مجموعة من الأفراد؟ وحتى لا نخدع أنفسنا أكثر فإن هذه هي الطريق التي يقودنا إليها quot;سيناريو القنبلة الموقوتةquot; الذي تحاول الإدارة الأميركية الاستناد إليه لتشريع ممارسة التعذيب. لكن هيلاري كلينتون ردت بأنها لم تقصد إضفاء الشرعية على التعذيب، وأنها مازالت تعتبره أمراً لا أخلاقياً وغير فعال، إنما هو مفيد فقط في حالة مواجهة ما يشبه فعلاً quot;سيناريو القنبلة الموقوتةquot;، حيث من الأفضل تقول هيلاري كلينتون quot;لو كان هناك استثناء خاص جداً ونادر جداً يطبق في حدود ضيقة وفي ظروف محدودة للغايةquot;.

لكن ماذا عن دول أخرى من المغضوب عليهم أميركياً، ألن تجدها فرصة مناسبة لكي تقتدي بالولايات المتحدة وبمنطقها الغريب هذا في تبرير ممارسة التعذيب لصياغة قوانين خاصة بها تجيز التعذيب في quot;حدود ضيقة وفي ظروف محدودة للغايةquot;؟ لقد كان من المفترض بهيلاري كلينتون أن تتريث قبل الإدلاء بتصريحاتها وتفكر ملياً في الأمر لأنه في النهاية يمكن تبرير أبشع الممارسات بتصور سيناريوهات وفرضيات بعيدة جداً عن الواقع. وحتى لو كانت تلك التصورات واردة الحدوث ففي الواقع ليس من دور القانون ولا من واجبه أن يلتمس لها الأعذار ويدافع عن ممارسات مُشينة قبل حدوثها.