الجمعة: 2006.10.27


بغداد ـضياء السامرائي، القدس العربي


لم يعد التوتر الامني وفي مقدمتة العنف الطائفي يفرق بين طبيب ومهندس وعالم دين واستاذ جامعي فالكل مستهدف، والكل يقع تحت طائلة المحاسبة القسرية والتي تبدأ من الفدية المالية وتنتهي بالتصفية الجسدية.

الاطباء، ملائكة الرحمه كما تصفهم المجتمعات المختلفه التي اتفقت علي ضرورة الدفاع عن حرمتهم، والدفاع عنهم، الا ان الامر في العراق مختلف جدا فبعد الاحتلال الامريكي للعراق، وانفلات الامن، اصبح هذا الوسط بين مطرقة البقاء والمصير المجهول وسندان الرحيل والهجرة الموجعة، حيث بلغت نسبة الاطباء الذين قتلوا في احداث عنف متفرقة والذين هاجروا من البلد 72 بالمئة مما كانوا عليه قبل الاحتلال وان نحو 70% من الباقين ليست لديهم خبرة كافية في مجال الطب، وفق دراسة اعدها مركز العراق للدراسات الستراتيجيه من فصلين، استندت علي ارقام من وزارة الصحة ونقابة الاطباء والصيادلة وجمعيات حقوق الإنسان محلية ودولية والهلال الاحمر العراقي والصليب الاحمر الدولي، استمرت قرابة السنة ونصف السنة.
وتضيف الدراسة انها دونت إفادات من داخل وخارج العراق تبين ان العنف الطائفي والمليشيات المدعومة من دول الجوار هي التي تقف وراء اغتيال وتصفية وتهجير الاطباء لغايات تهدف لإفراغ البلد من الطاقات العلمية الطبية. وبينت الدراسة كيفية اغتيال نقيب الاطباء العراقيين وعميد كلية الطب احمد الراوي غاية سيطرة احد الاطباء التابعين لأحد الاحزاب النافذة في العراق.
العديد من الاطباء الذين رفضوا الرحيل لدواع إنسانية واخلاقية يعبرون عن مخاوفهم التي تحيط بهم، الطبيب محمد السعدون، الذي يملك عيادة طبية في بغداد يقول لـ القدس العربي ان 20 طبيبا ممن لهم باع في مجال الطب هاجروا الي سورية والاردن وفتحوا هناك عياداتهم الطبية ويستقبلون مرضاهم من العراقيين من جراء اعمال العنف التي طالت اغلبهم بينما فضل الباقي منهم الهجرة قبل ان تمسه نار الفتنة. اضاف: بالنسبة لي فضلت البقاء وفي اعتقادي ان الموت بات قريبا مني الي درجة اتحسسه يوميا لانني ارفض ان افتح عيادتي في الخارج.
من جهته يؤكد الطبيب غانم السعدي والذي تخرج من لندن قبل 25 عاما وهو عضو فعال في نقابة الاطباء إن الإحداث الاخيرة ادت إلي نزوح كبير في الاطباء مما سبب فراغا في كوادر المستشفيات العرقية التي تواجه تحديات ضخمة تجاه الاحداث اليومية التي تشهدها المدن .
واضاف ان التدهور الإداري الذي ضرب اركان هذا الوسط سهل عمليات اختراق عديدة منها فتح عيادات وهمية لاطباء مزورين واختلاسات في المال العام وسرقات ونهب للدواء والمستلزمات الطبية بينما كان مدير المستشفي قبل الاحتلال يقوم بنفسه بجرد الادوية بشكل يومي. وكل هذا ياتي وفق سياسة تنتهجها عصابات ومليشيات مسلحة مسيطرة في جميع اركان المؤسسات الطبية، تقتل وتهدد من يقف في وجههم، وما حدث للطبيبة سعاد السامرائي مسؤولة مذاخر الادوية في محافظة البصرة بعد اكتشافها حالات اختلاس ضخمة دفعت حياتها ثمنا لها علي الرغم من تهديدها مسبقا .
اما الطبيب الجراح خالد الكعبي، العائد من الاردن قبل شهر وفتح عيادته التي اغلقها قبل عام في بغداد، فيقول لقد ادركت ان جحيم العراق اهون من نظرات مصحوبة بالاستخفاف لتركنا بلدنا. مما جعلني افتح عيادتي متكلا علي الله واستقبلت قرابة 100حالة اغلبها مصابة باعيرة نارية وانفجارات مما يؤدي إلي إصابات معقدة، اجريت لها عمليات جراحية معقدة . واشار الي ان العمليات المسلحة في البلاد تجعل من دور الاطباء في المقدمة فلو قمت بمعالجة شخص مصاب فانت تتهم بمساندة المقاتلين مما يؤدي الي الاعتقال والسجن لفترات عديدة.
ويروي الكعبي حالة طبيب جراح زميل له الذي طالبت مليشيا معروفة اهله بعد اختطافة فدية تبلغ مليون دولار مما اضطر اهله الي بيع المستشفي التخصصي الوحيد في بغداد في مجال الجراحة المعقدة وممتلكاته الثمينة وجمع نصف المبلغ وبعد محاولات ووساطات مع رجال معروفين في الاوساط السياسية الان تم تخفيض المبلغ الي النصف واطلاق سراحه وهو في حالة نفسية صعبة الامر الذي اجبره علي الرحيل وطلب اللجوء الانساني في السويد .
من جهتها تؤكد سارة الزهاوي وهي طبيبة في مجال اشعة السونار ببغداد فتقول لقد تعبنا من فرض الوصايات والمحسوبيات التي تفرضها الجماعات المسلحة بغطاء حكومي وديني، حتي اصبح الوضع اشبه بدفع الجزية ايام الفتوحات الإسلامية .
واضافت لولا ضميري تجاه العوائل العراقية التي تأتيني من كافة انحاء العراق متحدية كل الفروقات التي زرعها الاحتلال واعوانه من ضيق العيش وفقدان الكفاءة العلمية في تشخيص الامراض الغريبة التي جاءت بفعل الاسلحة التي استخدمها الاحتلال واعوانه لقمت بالهجرة وترك هذا البلد الذي اصبح مقرا لعصابات حاقدة علي حضارة العراق وتاريخه المجيد .