مسعود ضاهر

بعد صدور القرار 1718 عن مجلس الأمن بفرض عقوبات على كوريا الديمقراطية لقيامها بتجربة نووية بتاريخ 9 أكتوبر/ تشرين الأول ،2006 باتت مسألة انتشار السلاح النووي على نطاق واسع تحظى باهتمام كثير من دول العالم. وكانت اليابان في طليعة تلك الدول لأنها تتخوف من جارتها النووية بعد سلسلة من الاستفزازات التي قامت بها كوريا الديمقراطية عبر إطلاق صواريخ سقطت في بحر اليابان.

غني عن التذكير أن اليابان ldquo;عملاق اقتصادي وقزم عسكريrdquo;. فهي دولة منزوعة السلاح، ومحرومة من التسلح منذ الحرب العالمية الثانية. لذلك اعتمدت حتى الآن على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة التي شكلت لها مظلة عسكرية دائمة مقابل ارتباط اليابان تبعيا بالسياسة الأمريكية على المستوى العالمي.

ومع وصول المحافظين الجدد في نهاية سبتمبر/ ايلول 2006 إلى سدة الحكم في اليابان بقيادة شينزو آبي، طرحت تساؤلات عدة حول اتجاهات جديدة في السياسة اليابانية خلال السنوات المقبلة. فقد مهد رئيس الوزراء السابق كويزومي، لتلك التغييرات عبر بناء ركائز ثابتة تشكل مجتمعة توجهات واضحة لتغيير جذري في السياسة اليابانية، ومن أهم تلك الركائز:

1 التمسك الدائم بالتحالف الاستراتيجي الثابت مع الولايات المتحدة.

2 تعديل الدستور الياباني، خاصة المادة التاسعة منه التي تحظر على اليابان كل أشكال التسلح.

3 السعي لكسر معادلة ldquo;العملاق الاقتصادي والقزم السياسيrdquo; عبر إزالة كل القيود التي فرضت على اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية.

رحبت اليابان ترحيبا حارا بالقرار 1718 لأنه أوجد إجماعا دوليا ضد السياسة النووية لكوريا الديمقراطية. لكن قادة اليابان يدركون جيدا أن الإجماع الدولي على إصدار القرار لن يبقى متماسكا عند تنفيذ بنوده. كما ان تطبيقه يتطلب موافقة كوريا الديمقراطية على تغيير سياستها والتوقف عن تطوير برنامجها النووي. ويتطلب تنفيذ العقوبات ضدها موافقة الولايات المتحدة من جهة، والحصول على ضوء أخضر من الصين وروسيا من جهة أخرى.

وفي حين أشارت الأنباء التي رشحت عن زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، أثناء جولتها الآسيوية الأخيرة، إلى أن واشنطن تأمل بإيجاد تسوية للمسألة النووية الكورية عبر الحوار الدبلوماسي كشفت بعض افتتاحيات الصحف اليابانية عن توجه ياباني واضح لامتلاك السلاح النووي بصورة علنية. علما أن اليابان تمتلك الخبرة النووية وتستخدمها لتوليد الطاقة ولأغراض سلمية منذ سنوات طويلة. ومن السهل على اليابانيين ولديهم أحدث التكنولوجيا المتطورة والمراكز العلمية ذات الكفاءة العالية جدا، الحصول على الأسلحة النووية خلال فترة زمنية قصيرة.

وحين نصحت رايس قادة اليابان بعدم ممارسة ضغوط استفزازية على كوريا الديمقراطية تلافيا لانفراط الإجماع الدولي ضدها، أعرب وزير خارجية اليابان تارو آسو عن تفهم بلاده لموقف الولايات المتحدة التي لا تنوي تصعيد الأزمة بل العمل على استيعابها بالطرق الدبلوماسية.

خاصة أن كوريا الديمقراطية أبدت استعدادا واضحا للتوقف عن إجراء تجربة نووية ثانية في حال وافقت الولايات المتحدة على تخفيف القيود المالية التي فرضتها عليها. وكان من نتيجة تلك القيود تجميد أكثر من 24 مليون دولار في أكثر من 50 حسابا مصرفيا لكوريا الديمقراطية، وهو مبلغ مهم بالنسبة لنظام سياسي معزول.

لقد بدا واضحاً أن للبرنامج النووي لكوريا الديمقراطية أهدافا سياسية تساعدها على تعزيز دورها في المفاوضات السداسية من أجل الحصول على مساعدات اقتصادية، وقروض مالية.

أما التوظيف العسكري لهذا البرنامج فمحدود جدا. وهو يدخل في إطار سياسة الدفاع عن النفس لبلد معزول ويعيش قسم كبير من شعبه على المعونات الإنسانية. وبناء لرغبة حليفتيها الصين وروسيا، أظهرت كوريا الديمقراطية رغبة أكيدة بالعودة إلى المفاوضات السداسية في المستقبل القريب. على أن تتعهد الولايات المتحدة برفع العقوبات المالية عنها، والأمم المتحدة بوقف تنفيذ بنود القرار 1718 فور البدء بالمحادثات.

لكن المحافظين الجدد في اليابان قرروا اقتناص الفرصة والاستفادة إلى الحد الأقصى من الأزمة النووية الكورية للإعلان عن مخطط جاهز يرمي إلى تسليح اليابان بالسلاح النووي. فهم يدركون جيدا أن كوريا الديمقراطية لن توقف برنامجها النووي. كما أن العقوبات الأمريكية محدودة التأثير، وعقوبات الأمم المتحدة صعبة التنفيذ بسبب الرعاية غير المحدودة التي تحظى بها كوريا الديمقراطية من جانب الصين. فهي تتبنى تدابير وقائية لمنع دخول الولايات المتحدة إلى حلبة الصراع بين الدول الآسيوية وتحويله من الصراع السلمي على النفوذ إلى صراع عسكري للسيطرة والتوسع.

كما عبرت افتتاحية الصحيفة اليابانية المعروفة ldquo;أساهي شيمبونrdquo; في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2006 عن نقاش دار داخل لجنة الشؤون الخارجية.

وحملت الافتتاحية العنوان التالي: ldquo;الحوار حول المسألة النوويةrdquo;. وقد تضمنت عرضا مفصلا للنقاش الذي جرى في اللجنة بتاريخ 18 أكتوبر/ تشرين الأول 2006 حول ضرورة امتلاك اليابان للسلاح النووي. ونبهت صحف اليابان إلى مخاطر هذا التوجه على الشعب الياباني أولا، والذي ذاق مرارة السلاح النووي منذ أكثر من ستين سنة.

يبدو أن دولا كثيرة تتجه الآن لامتلاك أسلحة نووية. وتمتلك اليابان أسرار الطاقة النووية وتستخدمها للأغراض السلمية، إلا أن الرأي العام الياباني يتخوف من استغلال الأزمة الكورية لإدخال اليابان في دائرة الدول المنتجة للسلاح النووي. مما يسبب لها مشكلات إضافية وحادة مع دول الجوار الآسيوي كالصين وكوريا، ومع روسيا التي لا تزال تحتل جزر الكوريل وترفض إرجاعها لليابان.