الإثنين: 2006.10.30

اليوم، غداً
سعد محيو


هل انتهت الأزمة بين نوري كمال المالكي وزلماي خليل زاد؟
البيان المشترك المشدود بين رئيس الوزراء العراقي ورئيس البعثة الإمبراطورية الأمريكية أراد أن يوحي بذلك.فالبيان، الذي وقع في ثلاث فقرات، كان الأول من نوعه الذي يصدر من الطرفين، بعد أن اعتاد الرئيس والسفير طيلة الأشهر الستة الماضية الاجتماع سراً في أحد مباني ldquo;المنطقة الخضراءrdquo;. وهو، وإن اعترف بالصعوبات من دون أن يسميها، شدّد على ضرورة ldquo;استمرارrdquo; التحالف والشراكة الاستراتيجية بين أمريكا والعراقrdquo;، وأيضاً عى مواصلة الأولى دعمها للأخير في مساعيه لتحقيق الأهداف الثلاثة: المصالحة الوطنية؛ التقدم الاقتصادي، وتعزيز قوات الأمن العراقية.

كلام جميل. لكن يبدو واضحاً أنه سيكون كلام الليل الهادئ الذي ستمحوه أحداث النهار الصاخب. وهذا في كل من واشنطن ldquo;التي بدأ صبرها ينفدrdquo; بسبب عجز المالكي عن اتخاذ قرار ضد الميليشيات الشيعية، وفي بغداد التي بدأت ثقتها تهتز باستمرار وقوف ldquo;الحليف الأمريكيrdquo; إلى جانب الطائفيين الشيعة ضد الطائفيين السنّة.

قبل انفجار الأزمة الراهنة بأيام قليلة، كان مركز الدراسات الاستراتيجية الأمريكي يرفع تقريراً إلى الإدارة والكونجرس يتهم فيه التحالف الشيعي الحاكم بأنه وراء كل التعثرات في عملية بناء الدولة العراقية. وهو أشار بالتحديد إلى الآتي:

المصالحة السياسية: برغم حديث زعماء العراق عن الوحدة وتسوية الخلافات، لم تؤد هذه الأفكار إلى تغيرات ملموسة داخل الساحة السياسية، ولم تسفر خطة المالكي عن أي نتائج بعد. والحكومة الجديدة لم تثبت أنها قادرة على تنفيذ خطة التصالح أو إشراك السّنة العرب مرة أخرى في العملية السياسية.

الحكم: الحكومة غير قادرة على إنفاق ميزانيتها، ولا تتمتع بهياكل وزارية فعالة، وليست قادرة على الحكم في العديد من المناطق. ويبدو أن مهام الحكم متروكة للسلطات والفئات المحلية (أي الميليشيات).

سيادة القانون: ليس هناك إجماع على هوية النظام القانوني، ولا تعمل المحاكم في العديد من المناطق والبعض منها فاسد. يبدو أن السلطة القانونية أيضا متروكة للهيئات المحلية. (أي الميليشيات).

السياسة: الانتخابات العراقية في 2005 قسمت الشعب العراقي طبقاً للانتماءات العرقية والطائفية، والهيكل القومي للأحزاب السياسية ضعيف. الدستور الجديد لم يحقق أي نوع من الاتفاق داخل المجتمع السياسي العراقي، حيث إن الخلافات مازالت قائمة بين الطوائف العراقية المختلفة.

الأمن: معظم القوات العراقية مازالت غير مؤهلة للعمل من دون دعم خارجي. كما انها لن تستطيع العمل وحدها من دون مساعدة خارجية حتى ،2010 برغم كل أحاديث حكومة المالكي عن دور رئيسي لهذه القوات في تأمين البلاد ابتداء من نهاية 2007.

هذا هو المشهد الذي يراه الأمريكيون وهم يدققون في عمل حكومة المالكي طيلة الأشهر القليلة الماضية. وهو بالطبع ليس منظراً مسراً للناظرين، ولا يحقق رغبة الولايات المتحدة المستجدة في التخفف من أثقالها الأمنية التي بدأت تنوء بحملها.

ولذا، لا يعود مستغرباً أن يخشى المالكي من دحرجة رأسه، ولا مستبعداً أن تتحقق الشائعات المتكررة عن انقلاب عسكري وشيك. فحين يعطس الاحتلال، سرعان ما يصاب وكلاؤهم المحليون بالزكام.

البريطانيون مروا بالتجربة نفسها حين احتلوا العراق في اوائل القرن العشرين، فاكتشفوا أن هذا البلد لا يمكن أن يحكم لا من خارج بقوة إمبريالية، ولا من داخل بقوة لا وطنية أو طائفية ومذهبية.

فهل يحذو الأمريكيون حذوهم؟

فلنتوقف قليلاً، أولاً، أمام التجربة البريطانية ومحصلاتها.