سعود الريس
نصر إلهي آخر تحقق، لكن هذه المرة في قطر. إذ أعلنت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني اعتذارها عن تلبية دعوة كانت تلقتها للمشاركة في مؤتمر حول الديموقراطيات الجديدة والمتجددة، بدأت فعالياته أمس في الدوحة.
والنصر المذكور لن تحتفل به العاصمة القطرية، بل ستحتفل به الوفود العربية التي قلصت حجم مشاركتها، وتلك التي رفضت المشاركة، نظراً إلى وجود ليفني. لكن ما الذي دفع الوزيرة لإلغاء الزيارة؟ علماً بأنها كانت تعدها من quot;الخطوات المهمة في مسيرة العمل المشتركquot;.
قد لا يكون من ضروب التنجيم ان تكون ليفني اتخذت قرارها بعد تفكير عميق حول الكيفية التي ستتعامل بها قطر معها، فهناك عوامل عدة لابد من أخذها في الحسبان، فعلى سبيل المثال يعرف عن الوزيرة الاسرائيلية الإحساس المرهف والشفاف، لذلك لم تكن متيقنة من ان طاقم الضيافة سيتمكن من مراعاة انها لا تأكل اللحوم، فهي متشبعة من اللحم الفلسطيني منذ سن الـ13، ما دفعها إلى التحول إلى quot;نباتيةquot;، وبالتالي لم تكن متيقنة من ان دولة تتخذ من الخرفان والتيوس والحاشي والغزلان وجبة رئيسة لها ان تراعي ذلك.
كما خشيت ليفني ان يتم أيضاً تقديم الخضراوات المستوردة من فلسطين ومصر والأردن لما تحويه خضراوات تلك البلدان من مبيدات حشرية، يتم استخدامها بإفراط ما قد يكون تأثيره عنيفاً فيها. إلى جانب عدم تيقنها من ان فريق الضيافة سيقدم الخضراوات الأميركية المجففة التي تثق بها على رغم وجودها بكثرة في قاعدة الجيش الصديق في العديد.
قضية أخرى قد تكون وزيرة الخارجية الإسرائيلية تحسبت لها، وهي ان العرب يتصفون بكرم لافت، وغالباً ما تكون هداياهم ذات بذخ ظاهر، مثل سيف مرصع بالالماس أو خنجر، وهذه ذات شقان، فمن جهة تعتبر هذه الهدايا رمزاً لـquot;العنفquot; الذي يتعرض له أبناء دولتها quot;المسالمةquot;، وهذا ما يثير نزعتها الجنونية. اما الجانب الآخر والأهم فهو أنها ترفض الهدايا حتى من أقرب المقربين لها، باستثناء شخصين فقط، زوجها quot;المحترمquot; وصديقها quot;الوفيquot;، وبما ان المؤتمر تجاهل دعوة زوجها أو صديقها، على رغم ان الزيارات إلى هناك تتم في العلن، فقد ترك ذلك أثراً عظيما في نفسية السيدة quot;المخلصةquot;.
أما الموضوع الثالث الذي شغل بال تسيبي، فهو معرفتها بأننا شعوب quot;عينها زايغةquot;، وهذا ما قد يكون دعاها إلى التفكير في هذا الجانب، نظراً لما يعرف عنها من حساسية وصرامة مع زملائها في مواجهة التحرش. ثم ان بلادها لديها من هذه القضايا الشيء الكثير، بدءاً من رئيس الدولة، ما عزز قناعاتها حيال تلك القضايا.
وفي ما يخص النقطة الرابعة التي قد تكون أثنت ليفني عن الحضور، فهي تلك التي تتعلق بالكرسي الذي كانت ستشغله. فهي لن تقبل ان يكون على منصة، لأنها ستكون في الوسط، كما أنها لن تقبل ان تكون على يسارها، لأنها يمينية الهوى، تأسياً بالليكود الذي تشربت مبادئه قبل ان تنتقل إلى quot;كاديماquot; وعدم مراعاة مقعدها قد يشعرها بغضبة عارمة.
اما النقطة الخامسة والأهم، فهي تلك التي تتعلق بمبادئها. فالوزيرة ليفني لديها رؤية ثاقبة وغير قابلة للجدل حول الديموقراطية. وبما أن المؤتمر يتعلق بهذا الشأن، فلم تكن واثقة بانه ستتم مراعاة وجهة النظر الإسرائيلية. وللوزيرة رأي في الديموقراطية لابد من احترامه، وهي لم تكن واثقة من ذلك في ظل وجود مشاركة عربية، وإن كانت محدودة. فعلى سبيل المثال قالت عن الانتخابات الفلسطينية قبل بدئها إنها quot;غير ديموقراطيةquot;، لأن quot;منظمات إرهابيةquot; ستشارك فيها. وقالت أيضاً: quot;إن الانتخابات الفلسطينية كان من المفترض أن تكون جزءاً من عملية إدخال الديموقراطية إلى السلطة الفلسطينية، ولكنها في الواقع ليست كذلك، لأنه ليس هناك ديموقراطية في العالم تسمح بمشاركة المنظمات الإرهابية في الانتخاباتquot;. لذلك لم تكن واثقة بأن المؤتمر سيحترم وجهة النظر الاسرائيلية لاسيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. اذ لا تزال الدولة التي تمثلها تتمسك بلاءتها التي تتلخص في quot;لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، ولا لاستعادة الشعب الفلسطيني السيادة على القدس المحتلة، ولا للعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967 ولا للسلام في المنطقة quot;.
ختاما، قد يكون أيضاً من الأسباب التي دفعت وزيرة الخارجية الاسرائيلية إلى صرف النظر عن المشاركة، هي انها ستضطر الى القيام بجولة على شواطئ الديموقراطية في أطراف الدوحة، وهي لن تحتمل عمقها رغم ضحالة مياهها.
* نقلاً عن صحيفة quot;الحياةquot; اللندنية ( الطبعة السعودية)
التعليقات