رندة تقي الدين


هل يتذكر اللبنانيون أقوال الرئيس اللبناني العماد اميل لحود يوم توفي الرئيس حافظ الأسد، حيث ذكر ان الرئيس السوري اتصل به قبل وفاته قائلاً له: laquo;سلمتك الأمانة، سلمتك لبنان وأنا ذاهب مرتاحraquo;.

فماذا فعل لحود بهذه الأمانة سوى التمديد القسري لرئاسته وتعديل الدستور؟ وبعد اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري ورفاقه والنائب الشاب باسل فليحان والشهيدين الزميلين سمير قصير وجبران تويني وجورج حاوي ومحاولتي الاغتيال اللتين كادتا توديان بحياة الوزير مروان حماده والزميلة مي شدياق، فهو لا يبالي بالقرار 1595 ويريد الآن عرقلة قيام محاكمة دولية للمجرمين. فهل هذه هي الأمانة التي تسلمها من سورية، لأن المحكمة الدولية على وشك أن تولد والحقيقة على وشك أن تظهر؟

أي بلد ديموقراطي يرفض فيه رئيس الجمهورية محاكمة مجرمين اغتالوا رئيس حكومته لأنه عمل من أجل استقلال بلده واغتالوا صحافيين وسياسيين ناضلوا من أجل حرية الكلمة والسيادة والكرامة؟ وما هو سبب عرقلة الرئيس لحود لانشاء المحكمة الدولية؟ فملاحظات الرئيس اللبناني حول المحكمة توحي بالتخوف والقلق لدى من سلموه الأمانة من نتائج التحقيق الدولي.

ووزير العدل اللبناني شارل رزق، وهو صديق الرئيس لحود، أظهر وفاءه للدستور ولوطنه وللقوانين الدولية، وطالب بتفادي هرطقة قانونية. فكيف يناقض الرئيس اللبناني وزيره والقانون الدولي والقرار 1595 والأسرة الدولية بأكملها؟ وكيف يرفض حق الشعب اللبناني في معرفة الحقيقة بشأن الجرائم النكراء التي ارتكبت سنة 2005 والتي قد تستمر إن لم يضع لها القانون الدولي والمحكمة الدولية حداً؟

ومن سلم لحود أمانة عرقلة هذه المحكمة، في حين أن مؤتمر الحوار الوطني في آذار (مارس) الماضي، وافق عليها بالاجماع وكذلك فعل مجلس الوزراء ورئيسه؟

وفي هذا اليوم الحزين، الذي يصادف ذكرى عيد ميلاد الرئيس الشهيد رفيق الحريري (1 تشرين الثاني/ نوفمبر) الذي اغتيل وهو في الستين من عمره، كيف يقبل اللبنانيون أن تمر كل هذه الجرائم النكراء من دون عقاب؟ وكيف يقبل المواطن العربي أن تحدث جرائم بهذا الحجم وتدفن الحقيقة معها؟

والواقع أن الرئيس اللبناني الذي رفض القرار الدولي الرقم 1559 شرعية التمديد لولايته، يقود البلد الى مرحلة جديدة من التأزم، وهي مرحلة خطيرة. ولبنان بحاجة إلى أوضاع أفضل تمكنه من الاستفادة من جهوزية الأسرة الدولية لدعمه ومساعدته اقتصادياً، ولكن يبدو أن الرئيس لحود، مثلما فعل بعد مؤتمر laquo;باريس 2raquo;، يريد تعطيل المحكمة الدولية و laquo;باريس 3raquo; وكل ما يمكن أن يخرج البلد من أزمته.

فهل بدأ لحود مسيرة إعادة الأمانة لمن سلمه الحكم؟

إن عرقلة المحكمة الدولية ورفض محاكمة المجرمين سيفتحان مجدداً وجدياً معركة ازاحة لحود عن الرئاسة، وهي المعركة التي كانت قد أُجلت. وليس من حق أحد أن يمس بطلب لبناني مشروع، وهو معرفة الحقيقة حول الجرائم التي قتلت مناضلي الحرية والسيادة، وهو مطلب أكدته قرارات صدرت عن مجلس الأمن ووافقت عليها الأسرة الدولية بأكملها.

فهل يقبل اللبنانيون أن يهدر دم شهدائهم بسبب هرطقات قانونية؟ وهل يريد رأس الهرم الحاكم في لبنان أن تقول الأسرة الدولية إن لبنان يتخوف من الحقيقة؟

إن القاضي سيرج براميرتز قام بعمل مهني ودقيق، مستنداً الى براهين وأدلة، وذلك بعيداً عن الأضواء والصحافة. ومن مقر عمله في laquo;مونتي فيرديraquo; في لبنان، حقق وعمل متجنباً أي لقاء مع أي سياسي غربي أو شرقي، وكان يكتفي بمقابلة من يحتاجهم لتحقيقه ولعمله. ولا أحد يعرف ماذا في جعبة براميرتز، لكنّ المذنب والذين نفذوا الجرائم مدركون لذنبهم وقلقون من نتائج التحقيقات. فهذه التحقيقات تسير بشكل طبيعي، شئنا أم أبينا، والمحكمة الدولية آتية. ومع أن محاولات عرقلتها كبيرة، فإن الأسرة الدولية عازمة على معاقبة المجرمين.