الثلاثاء: 2006.11.07


سباستيان مالابي

حتى وقتنا الحالي، سيطر على نشرات الأخبار في الإعلام الأميركي ثنائي معركة الانتخابات النصفية وتطورات العراق. أما غداً فربما تكون الهيمنة للعراق وحده. وعليه فالمتوقع أن تواجه الولايات المتحدة بخيارين كلاهما مُر: إما الاستمرار في الحرب، أو البدء بمرحلة الانسحاب التدريجي من هناك. علينا أن نبدأ مناقشة هذا الموضوع، من وجهة نظر باحثين وأكاديميين مختصين. ولنستشهد ابتداءً بآراء quot;بول كوليرquot; الأستاذ بجامعة أوكسفورد، وquot;جيمس فيرونquot; من جامعة ستانفورد، وquot;باربرا والترquot; من جامعة كاليفورنيا في سان دييجو، حتى وإن كانت أفكارهم محبطة وباعثة لليأس فيما يبدو. وحسب رأي هؤلاء جميعاً، فإن الحروب الأهلية تمتد لمدى أطول، قياساً إلى الحروب التقليدية بين الدول. ومنذ عام 1945 كان متوسط الفترة الزمنية التي أخذتها الحروب الأهلية المندلعة منذئذ، هو 10 سنوات، بينما استمر أقلها وأقصرها سبع سنوات كاملة. وإذا ما أرَّخنا للحرب العراقية بعام 2004، فذلك يعني أن أمامها 5 سنوات أخرى على أقل تقدير.

وفيما لو توقعت أن تستمر أميركا كل هذه الفترة الطويلة المتبقية، على تمسكها بمهمتها هناك، فعليك أن تفكر ملياً في ما الذي يمكن لها تحقيقه من تمسكها ذاك؟ ومن رأي هؤلاء الأكاديميين أيضاً، أن ثلاثاً بين كل أربع حالات من الحروب الأهلية، قد انتهت بسحق أحد طرفيها للآخر سحقاً تاماً، طوال الفترة الممتدة منذ عام 1945. وعليه، وفيما لو أبدت الولايات المتحدة استعداداً من جانبها، لقيادة قواتها من أجل تحقيق نصر ساحق للمسلمين الشيعة على إخوتهم المسلمين السُّنة أو العكس، فإنه سيصبح في وسعها تسريع موعد نهاية الحرب الأهلية الدائرة الآن. غير أنه ليس بين أي من هذين الطرفين، من يمثل حليفاً استراتيجياً يعوَّل عليه لأميركا.

وفي وسع واشنطن البقاء ومواصلة مهمتها في العراق، على أمل أن تكون هذه الحرب، من ذلك النوع الاستثنائي الفريد الذي يمكن تسويته ووضع حد له، عن طريق إبرام صلح سياسي بين أطرافه. ورغم وجود احتمال كهذا، فإن الأكاديميين المشار إليهم أعلاه، لا يعتقدون بإمكانية حدوثه مطلقاً. فاعتماداً على تحليلهم للحروب الأهلية خلال فترة 50 عاماً أو يزيد، فإنهم لا يتوقعون للنزاعات الأهلية الطائفية، على شاكلة الحرب العراقية، أن تنتهي بتلك السهولة، قياساً إلى السهولة النسبية التي تتسم بها نهايات الحروب الآيديولوجية، على غرار حرب السلفادور مثلاً. إلى ذلك ذهب quot;جيمس فيرلونquot; بالذات إلى القول، إنه يتعذر التوصل إلى تسوية سياسية لذلك النوع من الحروب، الذي تحدث فيه إراقة هائلة لدماء كل من طرفيه. والسبب هو فجوة الثقة في إمكان إبرام صفقة مع خصم، يتألف معظمه من فرق ومليشيات، مهمتها الوحيدة هي قتل وسفك دماء الخصم.

يضاف إلى ذلك أن إنهاء الحروب الأهلية عن طريق التفاوض، لا يتحقق إلا بعد قتال منهك أو موت لكلا الطرفين. وما أبعد العراق حتى هذه اللحظة من بلوغ مرحلة الإعياء والإنهاك هذه. فالشاهد أن لدى زعماء السُّنة والشيعة، قناعة قوية بأن في وسعهم تحقيق ما يريدون عن طريق العنف والقتال، على إثر الانسحاب الأميركي من البلاد. وعليه فمن المتوقع ألا يتخلى أي من هذين الطرفين عن قناعته تلك، حتى يجري اختبار صحتها على أرض الواقع العملي. وهذا هو ما يقود quot;فيرونquot; لاستنتاجه القائل بأن انسحاب أميركا، بات يمثل شرطاً لازماً لاختبار هذه القناعة، تماماً كما يمثل شرطاً لتحقيق السلام في العراق.

وفيما لو صح افتراض quot;فيرونquot; هذا، فإن الذي يستنتج منه أن استمرار الوجود العسكري الأميركي هناك، سوف يطيل أمد العنف والمذابح لا أكثر. غير أنه وحتى في حال ثبوت خطأ هذه الفرضية، فإنه ليس هناك ما يبرر استمرار الوجود الأميركي. فإذا كان عدد القتلى من الجنود الأميركيين خلال الثلاثة أشهر الماضية، هو 241 جندياً، فإن ذلك يعني ارتفاع هذا العدد إلى 4.820 خلال الخمس سنوات المقبلة، وهو رقم يتجاوز عدد القتلى الأميركيين خلا هجمات 11 سبتمبر 2001.

وليس ذلك فحسب، بل إن التورط الأميركي في العراق، يصرف الأنظار عن معضلات أخرى، تواجهها السياسات الخارجية لواشنطن. ثم إن تكلفة بقاء الولايات المتحدة في العراق، كبيرة وباهظة جداً، بينما لا تتوفر ضمانات كافية للمكاسب التي يمكن جنيها من البقاء هناك.

ورغم الحجج والمصاعب العملية التي تحول دون تنفيذ فكرة الانسحاب، فإنه ما أن تصل الأطراف المتحاربة في الحرب الأهلية، إلى مرحلة الإنهاك المتبادل، حتى يتعين على القوى الدولية أن تفرض عليها إبرام صفقة سلام فيما بينها. وربما تكون الولايات المتحدة طرفاً في هذه العملية. فهل على أميركا أن تواصل بقاءها الحالي في العراق، وبأي مستوى، وبأي عدد من القوات والمقاتلين؟ إن كل ذلك مما سيشكل القضايا والأسئلة التي لا مناص من إثارتها، خلال مرحلة ما بعد انتخابات نوفمبر النصفية.